/ جورج علم /
في حادث لم يمرّ عليه الزمن، نفّذ الأردن ضربتين جويتين في جنوب سوريا، أصابت الأولى مصنعاً للمخدرات، وقضت الثانية على مرعي الرمثان وأفراد عائلته، وهو تاجر ممنوعات، ويدير شبكة واسعة للتهريب، جنّد لها مئات من عمّال النقل البدو الذين انضمّوا إلى صفوف فصائل مسلّحة حوّلت الجنوب السوري منطلقا لتوزيع “المحاصيل” على دول الخليج.
ينتهي الخبر هنا، ليبدأ آخر، من عناوينه:
- إن الضربتين منسقتان مع المخابرات الأميركيّة من جهة، والمخابرات السعوديّة ـ الخليجيّة من جهة أخرى. مظلّتان وارفتان تقي الحدث.
- سبق للأردن أن أخطر دمشق بألّا تخطىء في تصميم عمّان على المضي قدماً بمكافحة المخدرات، بينما تقود في الوقت عينه مبادرة دبلوماسيّة لإعادة سوريا إلى الحضن العربي.
وكان وزير الخارجيّة الأردني أيمن الصفدي قد زار العاصمة السوريّة منتصف شباط الماضي، بعد انقطاع طويل، والتقى الرئيس بشّار الأسد، وطالبه بضبط الحدود، إلاّ أن الوعود التي قطعت لم تصب الأهداف بدقة.
- بعد الضربتين، نشط عدد من السفراء بإتجاه المقرّات الرسميّة، محذّرين من تحويل لبنان إلى مصنع كبير للمخدرات، ومحطّة عبور وتسويق. وكانت دعوات صريحة بوجوب الإسراع بإنتخاب رئيس، وتشكيل حكومة تتولّى المسؤوليات، لأن الفراغ يبيح الفوضى، وهذه بدورها تبيح كل المحظورات.
وكانت السفيرة الأميركيّة دوروثي شيا في طليعة الناشطين المحذرين. واستندت إلى قائمة العقوبات التي تصدرها تباعا وزارة الخزانة، والتي تطال أسماء ومؤسسات على علاقة بالإرهاب والمخدرات وتبييض الأموال. كما استندت إلى قائمة أخرى تتضمن أسماء وتنظيمات ومصرفييّن ورجال أعمال تدور حولهم شبهات وعلامات إستفهام، مع إشارة إلى المخيمات المنتشرة في لبنان، والتي تحوّل بعضها إلى بيئات حاضنة للمافيات.
وحمل البريد الدبلوماسي، قبل أيام، أولى الرسائل إلى بيروت حول ضرورة الإسراع بانتخاب الرئيس. وتجاوب الرئيس نبيه برّي سريعاً، وحدد موعداً افتراضيّا قبل 15 حزيران المقبل، واحتكم الى الضرورات الملحّة، وأبرزها تعييّن حاكم جديد لمصرف لبنان.
لا يفرّط أحد بالاستحقاقات المحليّة التي تستدعي انتخاب رئيس، لكن هناك أولويات خارجيّة تستدعي الإسراع، منها:
أولاً، التفاهم الأميركي ـ السعودي ـ الخليجي ـ العربي، على عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة عن طريق تنفيذ كامل مندرجات القرار الدولي الرقم 2254.
ثانياً، التنسيق مع المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون، حول خريطة الطريق التي يعتمدها، والهادفة إلى وضع الحل السياسي العادل، المتوازن موضع التطبيق على أرض الواقع.
ثالثاً، إن السعوديّة، بالتنسيق والتعاون مع دولة الإمارات العربيّة المتحدة وسلطنة عمان ومصر ودول عربيّة أخرى، قد تمكّنت من فتح باب الجامعة، نسبيّاً، أمام النظام السوري كي يعود مكبلاً برزمة من الشروط، لكنها لم تتمكّن من تحقيق إجماع، هناك دول بينها قطر والكويت قد متنعت واشترطت العودة بعد إنجاز التسوية السياسيّة، لا قبلها.
رابعاً، إن العودة إلى الحضن العربي دونها شروط، وإجراءات سريعة، بينها وقف تصنيع المخدرات، وشلّ شبكات الترويج، وضبط الحدود، وما تحقق لغاية الآن لا يكفي، وحجة دمشق أن هناك مصانع وشبكات في مناطق خارج دائرة سيطرتها.
ولامست هذه الديناميّة الجديدة في مواجهة “الكبتاغون”، الإستحقاق الرئاسي، وإستنهضته من غفلته، ودبّت في مفاصله شيء من الحرارة، إنطلاقا من أنه لا يمكن محاربة المخدرات في سوريا، وترك أبواب لبنان مشرّعة أمام التجّار وشبكات التهريب، في ظلّ الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال، والفوضى العارمة، والفساد المستشري، والأزمات الماليّة والاقتصاديّة والمعيشيّة الخانقة. ولا يمكن المطالبة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بكامل مندرجاته، وبشفافيّة، للوصول إلى تسوية منصفة في سوريا، فيما القرارات الدوليّة الخاصة بلبنان تبقى حبراً على ورق، من دون تنفيذ، وإذا ما نفّذ بعضها فبصورة مزاجيّة ـ إنتقائيّة.
وحرّكت هذه الديناميّة الركود المحلّي، والدليل أن الحراك الذي يقوده كلّ من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب غسان سكاف، قد أثار اهتمام البعثات، وأسال حبراً غزيراً في الإعلام، وأحدث تموجات على سطح الإستحقاق الرئاسي. كما أن الاجتماعات والاتصالات الناشطة على جبهة قوى المعارضة للتفاهم حول شخصيّة تخوض ماراتون الإستحقاق، ليست عبثيّة، ويمكن أن تشكّل منطلقاً لديناميّة تقود إلى إنتخاب رئيس قبل 15 حزيران، وفق ما يؤشر رادار الرئيس برّي.
ولا يمكن إغفال الدور الأميركي صاحب اليد الطولى في تفعيل البريد الدبلوماسي، وقد بلغ مجموع الرسائل ـ لغاية الآن ـ ثلاث:
الأولى حملتها مساعدة وزير الخارجيّة لشؤون الشرق الأوسط السيدة باربرا ليف إلى بيروت عندما تحدثت عن ضرورة ملء الفراغ، والإسراع بتشكيل حكومة تتعامل مع صندوق النقد الدولي، وتوافق على إصلاحاته.
الثانية حملتها السفيرة شيا إلى عين التينة، والسرايا، ومرجعيات أخرى تحذّر من الفراغ في حاكميّة مصرف لبنان، وضرورة اعتماد المسار القانوني الدستوري لاختيار حاكم جديد يستلم مهامه في الوقت المناسب.
والثالثة وزعتها الخارجيّة الأميركيّة برسم المعنيّين، والمهتمين، بأن لا عودة لسوريا إلى حضن الجامعة العربيّة إلاّ بعد تنفيذ مندرجات القرار 2254، وهناك قانون قيصر لا يزال ساري المفعول، وإن الذين يقرعون في لبنان طبول النزوح السوري، وينفخون بمزمار العودة، عليهم أن ينتظروا نضوج التسوية السياسيّة التي يشرف عليها راهناً المبادر الخليجي ـ العربي بقيادة السعوديّة، كونها رئيس القمّة العربيّة.