مايكل آيزنشتات (*)
تتكون سياسة الأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ثلاثة عناصر أساسية هي: استراتيجية المنطقة الرمادية الإقليمية، وهيكلية غير تقليدية للقوة، واستراتيجية تحوط نووي. وسيتأثر كل عنصر من هذه العناصر خلال السنوات المقبلة بما يلي: (1) الدروس المكتسبة من تجربة تمتد لأكثر من أربعة عقود، والتي عززت نهج إيران بشأن أمنها القومي، (2) والتحالف الناشئ بين إيران وروسيا المبني على المصلحة، (3) والسياسات التي ستتبناها “الجمهورية الإيرانية الثالثة” بعد أن يصبح المرشد الأعلى علي خامنئي عاجزاً أو في حال وفاته، (4) وسياسات الولايات المتحدة وشركائها ومدى تأثيرها على الحسابات التقديرية للمغامرات الإيرانية.
أسلوب العمل العسكري الإيراني: رمادي بدرجة أقل
اعتمدت الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها بصورة واسعة على أنشطة “المنطقة الرمادية” بين الحرب والسلم من أجل خدمة أجندتها من خلال رفض الوضع الراهن في المنطقة، بينما تعمل على إدارة المخاطرات والحيلولة دون تأزم الأوضاع وتجنب الدخول في حروب. ولا يقتصر هذا النهج على إيران وحدها، فقد انخرطت كل من الصين وروسيا منذ فترة طويلة في أنشطة المنطقة الرمادية، شأنهما شأن الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. غير أن إيران ابتكرت طريقتها الخاصة للعمل في المنطقة الرمادية، بالإضافة إلى مجموعة أدوات فريدة لهذا الغرض. وتتضمن هذه الأدوات آليات لتنفيذ الأنشطة السرية والعلنية من جانب واحد ومن خلال الوكلاء على الأرض وفي الفضاء السيبراني على حد سواء، ويشمل ذلك: احتجاز الرهائن، واقتحام السفارات، والأعمال الإرهابية، وشن هجمات بالصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة، والاعتداء على حركة المرور البحرية.
والجدير بالذكر أن نفور طهران من الحرب التقليدية وتفضيلها لأنشطة المنطقة الرمادية لا يقومان على حسابات انتقالية لمصالح النظام، ولا يعودان بالدرجة الكبرى إلى رغبتها في التصدي لـ “أسلوب الحرب” الأمريكي أو التحايل عليه (مع أن هذه الاعتبارات تلعب بلا شك دوراً كبيراً). ولكنهما يشكلان سمة راسخة في الثقافة الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية، التي تركز على الغموض وعلى الأساليب غير المباشرة. كما أنهما من الموروثات التي لا تزال صامدة منذ الحرب الطويلة والمؤلمة والدموية بين إيران والعراق، والتي رسخت في الأذهان درساً تاريخياً عمره قرنين من الزمن، وهو أن نتائج الحروب التقليدية عادة ما كانت وخيمة على إيران. كما أن نهاية الحرب العراقية الإيرانية شكلت نهاية عقد من الراديكالية الثورية في السياسة الخارجية الإيرانية. فمنذ ذلك الحين، أصبحت الجمهورية الإسلامية أكثر حذراً في تعاملها مع القوى الخارجية، علماً بأن هناك فرق بين عدم استساغة المغامرات وتجنب خوضها.
من هنا، عادةً ما تختبر طهران خصومها لتتعرف على ما يمكنها القيام به من دون تحمل أي تبعات، بحيث تنخرط في أنشطة سرية أو بالوكالة للحفاظ على قدرتها على إنكار تورطها وتجنب الانخراط بشكل حاسم. وتعتمد على العمل التدريجي والمراوغة لخلق حالة من الغموض بشأن نواياها وتشكيك أعدائها في شكل الرد المناسب عليها. كما أنها ترتب أنشطتها في الزمان والمكان، أي من خلال تنظيم وتيرتها (زمنياً) والمباعدة بينها (جغرافياً) بشكل لا يجعل الخصوم يشعرون بأنهم مضطرون للرد.
ومع ذلك، تقوم إيران بأعمال خارج نطاق المنطقة الرمادية وتعمل بشكل علني حينما تكون الظروف سانحة أو عندما ترى ذلك ضرورياً. ومن هذا المنطلق، نفذت هجمات بالقوارب الصغيرة على حركة الناقلات في الخليج خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988) وتدخلت في الحرب الأهلية السورية (2011 حتى اليوم) بعد أن خلصت إلى أنها تستطيع القيام بذلك من دون التسبب في تدخل أميركي أو إسرائيلي. وبعد مقتل الجنرال قاسم سليماني (قائد “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني” ومهندس استراتيجية إيران الإقليمية) في غارة أميركية بطائرة مسيرة في كانون الثاني/يناير 2020، ردّت طهران بضربة صاروخية على الجنود الأميركيين في العراق، وتبنّت الهجوم صراحةً باعتباره مسألة شرف وضرورة متصورة نظراً إلى حجم الضربة التي تلقاها النظام.
وفي السنوات الأخيرة، أظهرت الجمهورية الإسلامية استعداداً أكبر للمخاطرات واستخدام القوة من جانب واحد ضد إسرائيل ودول الخليج العربي والولايات المتحدة. على سبيل المثال، خططت إيران لقتل كبار المسؤولين السابقين في الحكومة الأميركية (للانتقام لمقتل سليماني) واختطاف أو قتل المعارضين الإيرانيين في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى. وقد تعزى هذه الجرأة المتزايدة إلى: (1) تنامي نفوذ عدد متزايد من ضباط “الحرس الثوري الإيراني” المتشددين الذين يشغلون مناصب حكومية رفيعة. (2) فشل الولايات المتحدة وشركائها في تكبيد إيران خسائر فادحة بسبب تصرفاتها الرعناء المتكررة. (3) فقدان طهران السيطرة على بعض وكلائها العراقيين في أعقاب مقتل سليماني، الأمر الذي جعلها ربما أقل استعداداً للاعتماد عليهم في بعض العمليات والأنشطة الحساسة.
هيكلية القوة: مضاعفة العمل وفقا للنهج المتبع في عمليات سابقة تكللت بالنجاح
لقد استفادت إيران جيداً من هيكلية القوة غير المتوازنة وغير التقليدية التي تتركز على أنظمة الضربات بعيدة المدى (الطائرات بدون طيار والصواريخ)، والميليشيات التابعة لها، وعلى قدراتها في منع خصومها من استخدام مياه البحار. لذلك، من غير المرجح أن يحاول النظام إجراء أي تغيير عسكري كبير من خلال إنشاء هيكلية قوة أكثر تقليدية وتوازناً مع جيش كبير وقوة جوية وبحرية ضخمة. وعلى أية حال، تفتقر طهران إلى الأموال اللازمة لشراء أعداد كبيرة من الأسلحة التقليدية، وليس واضحاً ما إذا كان الموردون المحتملون مستعدين أو قادرين على تلبية مثل هذا الطلب، نظراً لعدم قدرة إيران على الدفع، ولتأثير ذلك على علاقات هذه الدول مع دول الخليج العربي.
لذلك، ستعمل طهران على زيادة مدى صواريخها وطائراتها المسيرة ودقتها وحمولتها. وستسعى أيضاً إلى تحسين قدرتها على إبطال دفاعات العدو بوسائل أخرى غير الضربات الشاملة المكثفة، وتطوير التدابير المضادة ومساعِدات اختراق الصواريخ (أساليب التمويه، وعصائف التضليل، والتدابير المضادة الإلكترونية المنخفضة الطاقة، أو مناورات المرحلة النهائية، بما في ذلك المركبات العائدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت). وسيسمح نشر مساعِدات الاختراق الفعالة والتدابير المضادة الفعالة لإيران في تخصيص صاروخ واحد أو صاروخين فقط لكل نقطة استهداف (بدلاً من استخدام وابل من الصواريخ). ويُعد هذا التطور بمثابة زيادة كبيرة في الترسانة الصاروخية لإيران، ويمكّن طهران من جني كامل ثمار الثورة التي أحدثتها في مجال الدقة.
علاوة على ذلك، ستواصل إيران تنمية قدرات وكلائها في مجال الصواريخ والطائرات بدون طيار والقذائف، وتزويد شركائها الأكثر قدرة (“حزب الله” اللبناني، والجماعات العراقية مثل “كتائب حزب الله”، والحوثيون اليمنيون) بأدق صواريخها وطائراتها المسيرة. وستعمل على تعزيز قدراتهم القتالية التقليدية بأنظمة مضادة للدبابات وأنظمة للدفاع الجوي أيضاً. وأخيراً، ستستمر إيران في توسيع وتحديث قواتها التقليدية تدريجياً، بينما تواظب على تحصين منشآتها العسكرية الحيوية وإخفائها تحت الأرض. وقد تكون إيران مهتمة على وجه الخصوص بالطائرات المقاتلة المتقدمة المتعددة الأدوار مثل “سو-35″، والصواريخ أرض – جو العالية القدرة (“سام”) مثل “400S-“، والمقاتلات السطحية البحرية الصغيرة (الطرادات والفرقاطات) والغواصات الصغيرة، وأقمار التصوير الصناعية والذخائر المتقدمة على اختلافها.
ومع أن التحالف الناشئ بين إيران وروسيا قد يوفر لطهران فرصاً جديدة لشراء المعدات، ستجد موسكو صعوبة شديدة في الاستغناء عن أعداد كبيرة من الأسلحة الحديثة بينما يتكبد جيشها خسائر فادحة في أوكرانيا. وفي حين أن طهران تزود موسكو بمئات الطائرات بدون طيار (وربما بالصواريخ أيضاً) التي يكلّف كل منها عشرات أو مئات آلاف الدولارات، سترغب في الحصول من روسيا على أعداد كبيرة من أنظمة الأسلحة الحديثة التي تكلف عشرات أو مئات ملايين الدولارات. وبالتالي، فإن الأموال التي تكسبها من مبيعات الطائرات بدون طيار لا تكفي لشراء كمية كبيرة من صواريخ “سام” أو الطائرات المقاتلة أو السفن الحربية. فضلاً عن ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت إيران مستعدة لمواصلة نقل أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار إلى روسيا إذا استمرت حدة التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة. وقد أفادت تقارير بأن طهران وافقت على إنشاء خط إنتاج للطائرات بدون طيار في روسيا من أجل تلبية هذا الطلب.
وبالتالي، ستعمل روسيا على الأرجح على مساعدة إيران بنقل التكنولوجيا إليها تعويضاً لها على ما قدمته من مساعدة. ولكن حتى عمليات نقل الأسلحة بشكل محدود ستمكّن إيران من سد الثغرات وتحديث هيكل قوتها بشكل انتقائي، فضلاً عن تعزيز صناعة الأسلحة المحلية من خلال توفير أنظمة حديثة يمكن هندستها عكسياً.
التحوّط على طول خط التقارب النووي ـ أو تجدد الانتشار النووي؟
يعود البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي حين بدأت إيران، في ذروة حربها مع العراق، تبحث سراً في الخيارات المتاحة لإنتاج المواد الانشطارية وصنع الأسلحة النووية. وبحلول أواخر التسعينيات، أطلقت إيران برنامجاً عاجلاً ومكثفاً لبناء قنبلة خوفاً من أن يعيد العراق إحياء برنامجه النووي. وبعد انكشاف برنامج الجمهورية الإسلامية عام 2002 وفي أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 (الأمر الذي دفع طهران للاعتقاد بأنها قد تكون الهدف التالي لواشنطن)، تخلت إيران عن برنامجها المكثف وأوقفت إلى حد كبير العمل على الأسلحة لتجنب إعطاء الولايات المتحدة ذريعة لغزوها. وفي نهاية المطاف، تبنّت استراتيجية تحوّط حذرة مكّنتها بشكل بطيء وتدريجي من إيجاد خيار لتصنيع سلاح نووي، مع إدارة المخاطر الناتجة عن ذلك. ولا يزال هذا المسعى مستمراً حتى يومنا هذا مع اقتراب إيران، بطريقة تقاربية، من امتلاك القدرة على صنع الأسلحة النووية.
وقد تبنّت إيران استراتيجية التحوّط لأنها استنتجت على ما يبدو أن المخاطر والتكاليف المحتملة لبرنامجها المتعجل، كالعزلة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والضربة العسكرية وربما أيضاً سباق تسلح نووي في المنطقة، قد تكون لها عواقب أشد خطورة من تلك التي تم توقعها في السابق. ويتوافق نهج التحوّط هذا بشكل خاص مع ثقافة إيران الاستراتيجية التي تشدد على الغموض والصبر والتدرج لخدمة مصالح النظام الحيوية مع تجنب التصعيد والتورط في حروب.
غير أن إيجاد خيار نووي ما هو إلا هدف واحد من عدة أهداف حيوية على صعيد السياسات قد تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تحقيقها في أي وقت من الأوقات. بناءً على ذلك، أوقفت طهران (في عام 2003) أو أبطلت (في عامي 2013 و2015) أجزاء من البرنامج النووي عندما اعتقدت أن هذه الأنشطة تهدد مصالح مهمة أخرى (تجنب العزلة الدولية والتهديدات العسكرية)، أو عندما سهّل ذلك أهدافاً أخرى (منع الانتقاد الدبلوماسي، أو الاستفادة من تخفيف العقوبات، أو إضفاء الشرعية على برنامج التخصيب). ولكن حتى في هذه الحالات، واصل النظام العمل على أجزاء من برنامجه النووي، إلى جانب برنامجه الصاروخي الذي يشكل الوسيلة الرئيسية لبلوغ القوة النووية التي يخطط لها. ولربما يعتقد كبار صناع السياسات الإيرانيين أن استراتيجية التحوّط الإيرانية، من خلال خلق رادع (نووي) كامن، قد تمنح البلاد الكثير من فوائد الترسانة النووية من دون المخاطر والتكاليف المصاحبة لها.
وفي حين أن البرنامج النووي الذي بدأته الجمهورية الإسلامية منذ مدة طويلة لم ينتج بعد أي سلاح، فمن المحتمل أنه يقترب من الوصول إلى نقطة التحوّل النووي. لقد قام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بترقية المتشددين في قوات “الحرس الثوري” أو من تربطهم علاقات به، والذين لا يزال التزامهم بالتحوّط النووي غير مؤكد، من أجل تمهيد الطريق لخلافته وتنفيذ برنامجه “للمرحلة الثانية من الثورة الإسلامية”. وهكذا، بات الكثير من كبار ضباط “الحرس الثوري”، العاملين والمتقاعدين، يشغلون مناصب بارزة في حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي وفي “مجلس الشورى الإسلامي” (البرلمان) الحالي. ومن بين هؤلاء نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية محسن رضائي، وأربعة من أصل 19 عضواً في مجلس الوزراء (من بينهم وزير الداخلية أحمد وحيدي ووزير الاستخبارات حجة الإسلام السيد إسماعيل خطيب)، وسبعة من أصل 12 عضواً في هيئة رئاسة “مجلس الشورى” (منهم رئيس المجلس محمد باقر قاليباف). كما أن سبعة من أصل 31 محافظاً هم من ضباط “الحرس الثوري”.
فضلاً عن ذلك، فمن المحتمل أن يكون مقتل قاسم سليماني قد أدى إلى تعزيز نفوذ الأشخاص الأقل حذراً مثل القائد العام “للحرس الثوري الإيراني” حسين سلامي وقائد القوات الجوفضائية أمير علي حاجي زاده، الذي كانت قواته مسؤولة عن هجوم أرامكو في أيلول/سبتمبر 2019 والضربة الانتقامية بعد وفاة سليماني. إن الأشخاص هم من يصنعون السياسات، ولذا ينبغي أن تستعد واشنطن لإمكانية تخلي طهران عن سياسة التحوّط والعودة إلى الانتشار الفعلي في إطار مساعي خامنئي لترسيخ إرثه، أو كخطوة تتخذها قيادة جديدة عازمة على رسم مسار جديد في حال عجز خامنئي أو وفاته.
وبالتالي، ستعتمد الحسابات الإيرانية بشأن الانتشار النووي على ما إذا كان كبار صناع القرار الإيرانيين يعتقدون أن:
(أ) ترسانة الطائرات التقليدية بدون طيار والقوة الصاروخية ذات القدرة العالية في البلاد وفوائد الردع الخفي تغني عن الحاجة إلى الأسلحة النووية، على الأقل في الوقت الراهن.
(ب) بوسع الجمهورية الإسلامية استئناف أنشطة البحث والتطوير في مجال الأسلحة من دون أن ينكشف أمرها.
(ج) الفوائد المرجو تحققها تفوق خسائر المجازفة والتكاليف التي قد تتكبّدها في حال انكشاف أمرها.
التداعيات
إن النجاح هو أكثر الدوافع إلى تحقيق المزيد من النجاح. لذلك فمن غير المرجح أن تتخلى إيران عن هيكلية قوتها غير التقليدية. وعلى أي حال تفتقر طهران إلى الأموال اللازمة لشراء كميات كبيرة من الأسلحة التقليدية، أو إلى الموردين المستعدين لتوفيرها. لكن هذه المقاربة أسفرت عن تبعيات معينة، ومن الممكن أن يصبح الاعتماد الكبير للجمهورية الإسلامية على الصواريخ والطائرات بدون طيار عبئاً عليها إذا ما تمكّن خصومها من تطوير أنظمة دفاعية قليلة الكلفة وعالية القدرة. وعلى النحو نفسه، تفرض الظروف السياسية والاقتصادية الهشة في لبنان والعراق قيوداً على “حزب الله” وعلى الجماعات العراقية الوكيلة التي رعتها إيران، مما يقلل إلى حد ما من فائدتهم كشركاء أو وكلاء.
إن وصول قيادات أكثر تقبلاً للمخاطر إلى الحكم في طهران في المراحل الأخيرة من حياة خامنئي أو بعد وفاته، قد تعزز التوجه الجديد لدى النظام في الاعتماد بشكل أكبر على العمل العلني الأحادي الجانب، بينما يوفر، للمفارقة، بيئة مواتية يعمل فيها الوكلاء والشركاء الأكثر مغامرة باستقلالية. بيد أن الولايات المتحدة وشركاءها قادرون على التأثير في الحسابات التقديرية لتبعات هذه المغامرات لدى القيادة الناشئة في طهران، عن طريق الرد بشكل أكثر حزماً على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهو ما يجعل أيضاً طهران أكثر تردداً في نقل الطائرات بدون طيار والصواريخ إلى روسيا، وإلى عملائها الأكثر استقلالية، في وقت يتصاعد فيه التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل. كما يمكن أن يشجع إيران بشكل غير مباشر على ضبط النفس في المجال النووي. فإذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها على استعداد لقبول مخاطر أكبر من خلال التصدي لأنشطة إيران الإقليمية المخلة بالاستقرار، فمن غير المرجح أن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا حاولت الجمهورية الإسلامية تجاوز العتبة النووية.
وبالتالي، فإن خيار إيران ما بين الاستمرار في استراتيجية التحوّط النووي أو العودة إلى الانتشار الفاعل، سيتأثر إلى حد كبير بقدرة الولايات المتحدة وشركائها على توجيه حسابات طهران بشأن الانتشار النووي، والرد بفعالية على محاولة تجاوزها للعتبة النووية. إلا أن استمرار إيران بتكديس المواد الانشطارية وقدرتها الرادعة (النووية) الكامنة المتنامية، لا يزالان من أكثر التحديات النووية إلحاحاً وإثارة للقلق ـ مما يطرح معضلات تفتقر الولايات المتحدة وشركاؤها حالياً إلى الرد المناسب عليها.
(*) مايكل آيزنشتات هو مدير “برنامج الدراسات العسكرية والأمنية” في “معهد واشنطن”.