شياطين وملائكة بين مخايل.. و”مار مخايل”!

/جورج علم/

في كل مرّة يطل، يحتدم الإشتباك، هناك دائما متهم، وتهمة، ومحاكمة علنيّة، وخطاب فوقيّ مأزوم، وعبارات تخوينيّة، والهدف واضح، ضرب التوازنات الداخليّة، تدمير ما تبقى من الطائف وسلخ لبنان عن محيطه العربي وتقديمه وجبة شهيّة على طاولات التسويات الناشطة في المنطقة.

عندما حضر إتفاق مار مخايل، حضرت الشياطين، وتوارت الملائكة، والورقة السريّة منه أدهى من المعلنة، وخرج مخايل (ميشال بالفرنسيّة) رئيسا للجمهورية، مقابل الجمهوريّة، وترك الشياطين تتلاعب في رحابها طولا، وعرضا، مقابل هدفين: التوأمة بين “شعب لبنان العظيم”، و”أشرف الناس”، وهذه لم تحصل رغم بعض مساحيق التجميل، ثم ضمان الإستمرارية بشخص الوريث، لضمان مئوية جديدة، “للبنان جديد”، صيغته لامركزيات موسّعة؟!

بكائيات مخايل بعبدا، وصهره على “تسوية” مار مخايل، أبعد من الإتفاق، إنها على الضمانات التي كان يشكّلها الشريك الضامن، وسعرها اليوم في البورصة المحليّة والإقليميّة، يساوي سعر الليرة اللبنانية، تجاه الدولار الأميركي، والدور الأميركي، والمخطط الأميركي – وإستدراكا – الإسرائيلي؟!.

لم يعد الخطيب مقنعا، والأصبع المرفوعة لا تخيف إلاّ من حولها، والرافعة الوازنة التي رفعت مخايل من مار مخايل الى بعبدا رئيسا، قد تكربجت مفاصلها، وشابها خلل كبير.

فرّط قطبا مار مخايل بمشروعهما، لعبا طويلا في حديقة الدستور، والصيغة، والميثاق، وبعثرا المحتويات، اللعب بالتوزنات أخطر من لعبة البوكر، و”كازينو لبنان” لا يعني أن لبنان كازينو، وميسر، ورقعة شطرنج يتلهّى بها المقامر، والمغامر، والمتآمر، والمرتهن.

هذا بلد له موقع ضارب في عمق التاريخ، والجغرافيا، منه الحرف، والثقافة والإشعاع والإبداع، ولا يمكن أخذه الى ما لا يريد، لأن التجارب قد أخذت بالعابثين الى حيث هو يريد!

رياح كانون قد تكون عاتية، مدمّرة، لكن ما تحمله من بعيد قد يخفّف من الواقع المدقع.

الفاتيكان مع حفظ التوازنات “لبنان أرض حوار، وتلاقي، إنه أكبر من وطن، إنه رسالة”. شيخ الأزهر “ضنينون بلبنان النموذج”. مصر “تدمير الصيغة، تدمير لمداميك العروبة”. السعوديّة “مشكلتنا مع الإنقلاب، لا مع الأصدقاء والأحباب”. السفير علي عوّاض العسيري “لا نريد حربا أهليّة في لبنان، بل وجوها جديدة تستلم الدفّة، وتصحح البوصلة، وتبحر بالمركب اللبناني الى شاطىء الأمان”.

برز النفير السعودي كتطور جديد، رفع صوته بعد قمة دول مجلس التعاون في الرياض. كان من الضروري قراءة البيان الختامي بتمعن، “الخطر داهم، والمواجهة شاملة”، لا يمكن التغاضي عن “خليّة الكويت”، ولا عن “خليّة البحرين”، ولا عن “الخلايا السابقة” في الإمارات… ولا عن “وكر الدبابير” في اليمن.

العميد الركن تركي المالكي سمّى الأمور بأسمائها، وقدّم الحجج، لم يعد إستهداف التوازنات حكرا على لبنان، بقعة الزيت تنتشر بسرعة في دول الخليج عمدا في زمن ليالي الأنس في فيينا، وعلى وقع المفاوضات حول النووي، وحول التوازنات الجديدة في الشرق الأوسط الجديد.

النفير السعودي بعد “بيانيّ جدّة وقمة مجلس التعاون”، يعرّي ما تبقّى على الشجرة اللبنانيّة من ورق تشرين.

الدبلوماسيّة في إجازة، القفّازات الحريرية لم تعد موضة رائجة، والطائفة المؤسس للبنان الإستقلال، والصيغة والميثاق لا يمكن أن تستمر مكسر عصا، وهدفاً للتجريح والتشبيح منذ شباط 2005.

مشروع مار مخايل بحاجة الى ملائكة تحميه، لا الى شياطين تتلاعب بمقدرات البلد وتوازناته، وما يجري، بكاء على الأطلال، في زمن الإنحلال.

المعادلة هنا واضحة: “الخلل في التوازنات يؤدي الى خلل في الضمانات”. وصراخ جبران باسيل نابع من خوف وقلق.. لا من مصدر قوّة وإقتدار…