/ فاطمة جمعة /
من أصعب الحروب التي يواجهها الشعب الفلسطيني، هي الحرب الناعمة، والتي تستهدف عقول المناصرين للقضية الفلسطينية، بغية إشغالهم بقضايا أخرى تلبي اهتماماتهم، من خلال ثقافة الإلهاء والتغيير “اللاعنفي” والتطور والانفتاح على مفاهيم جديدة.
منذ قضية الشهيد الطفل محمد الدرّة، وصورته التي هزت العالم عام 2000، لم تتحول أي قصة من قصص الشهداء الأطفال إلى قضية رأي عام عالمي، وأقله وسط العالم العربي، حيث ينشغل المناصرون الغافلون عن القضية، بالتعاطف مع طفل دفعه لاعب كرة قدم، أو آخر قُتل وهو يلهو بالسلاح، وآخر سقط في بئر أثناء اللعب وتوفي قضاء وقدراً.
جميعها قصص تثير تعاطف العالم من ناحية إنسانية، لكن الفريضة الوطنية والإنسانية، تستوجب إعطاء الأولوية والتضامن مع أطفال فلسطين الذين لا يعرفون طعم اللعب بسلام، ولا الوصول لمشاهير كرة القدم، بل يُقتلون بالسلاح عمداً، وأمام أنظار منظمات حقوق الطفل ووسائل الإعلام العالمية.
لقد غيّرت قضية الطفل الشهيد محمد الدرّة وجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وكان لها الدور الأبرز في تأليب الرأي العام ضد عنجهية الإحتلال الإسرائيلي، مما يدل على قوة “الطفل” كعامل تأثير في مناهضة العدو ومناصرة الضعفاء.

إلا أن نجاح الحملة هذه، دفع آلة الحرب المتآمرة لوضع الأطفال في مرمى حروبها، عبر التعتيم عليهم بوسائل التواصل والإعلام، واستهدافهم بجمعيات المجتمع المدني، وصولاً إلى تراجع تسليط الضوء عليهم مع مرور الزمن.
يدفع الأطفال الفلسطينيون ثمن غطرسة العدو الإسرائيلي باعتداءاته المستمرة على مختلف المدن الفلسطينية المحتلة، ولطالما كانوا هدفاً مغرياً لجنود الاحتلال لإشباع غرائزهم الإجرامية والوحشية.
أرقام لا تحصى عن عدد الشهداء الأطفال، منذ النكبة الفلسطينية وحتى العدوان الذي يتعرّض له قطاع غزة هذه الأيام، وهم إذ يسلمون أرواحهم للسماء، يتحولون إلى “أيقونات من دم” مخلّدة على جدران منازلهم، وفي ذاكرة فلسطين.
شهادة من دون ضجيج
فجر الثلاثاء الفائت، شن الاحتلال الصهيوني عدواناً غاشماً تحت مسمى “السهم الواقي” على غزة، استشهد بنتيجته 4 أطفال، ليرتفع عدد الأطفال الذين استشهدوا منذ بداية العام 2023 إلى 24 شهيداً.
مرّ هذا الخبر مرور الكرام في مختلف وسائل الإعلام العربية، وهي بذلك تكون شريكة في مؤامرة إجهاض حق الدفاع عن الأطفال وحماية حقوق الطفل، كما يُروَّج عالمياً، وفي إضعاف قوة تأثير أطفال فلسطين بمسار الصراع مع المحتل.
كل هذا ينطلق من انصياع الإعلام المأجور بالتسول للغرب لكسب التمويل، وفي خدمة المشروع الصهيوـ أميركي في فلسطين والمنطقة.
بضع ساعات فقط، هي مساحة تضامن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مع الأطفال الفلسطينيين الأربعة الذين استشهدوا بالقصف الإسرائيلي، وتفاعل عدد بالغ الخجل من رواد موقع تويتر مع “تريند” الأطفال الشهداء، الأمر الذي يثبت انحراف المجتمع العربي عن قضيته الأم، وانجراره خلف مدعي الإنسانية، وكأنه اعتاد رؤية استشهاد أطفال فلسطين كأي خبر في صحيفة.
مشاهد جثث الأطفال بجانب عائلاتهم في غزة قبل يومين، تستدعي تعاطفاً، ليس من ما يسمّى “العالم الحر” الذي يبدو أنه متواطئ في الجريمة ويحمي المجرم، بل من الوطن العربي والشعب اللاتيني كما قبائل المايا والهنود الحمر، وكل من يملك قطرة من الإنسانية على كوكب الأرض، نظراً لكون مواقع التواصل الاجتماعي اجتازت الحواجز الجغرافية واستطاعت توحيد الشعوب تجاه عدة قضايا إنسانية عالمية.. فأين أطفال غزة منها؟
سؤال يطرحه ما تبقى من مناصرين للشعب الفلسطيني، لكن تظلّ النتيجة نفسها، وهي التقصير بحق القضية مهما بلغ حجم استنكار قتل الأطفال ومناهضة الاحتلال.
24 طفلاً شهيداً في 2023
علي وميار عز الدين، أطفال القيادي طارق البهيتي، استشهدا بغارة جوية إسرائيلية مباغتة، استهدفت شقتهم في بناية سكنية بحي الرمال غرب مدينة غزة، وذلك عند الثالثة من فجر الثلاثاء أثناء نومهم. وقد كان الطفلان على موعد مع رحلة في مدرستهما “أوائل وقادة”، لقضاء بعض الوقت في الفرح والسرور، إلا أن رحلتهما كانت أبدية إلى دار الخلود.

حُكم والدهما طارق بالسجن المؤبد، لكن بموجب صفقة “وفاء الأحرار”، تم إطلاق سراحه عام 2010. لم يرَ الطفلان بيت جدهما نهائياً، حيث استقر والدهما في غزة، بعيداً عن أهله في عرابة بمدينة جنين في الضفة الغربية، وبذلك كتب الاحتلال عليه وعلى أطفاله الحرمان من لقاء العائلة في الضفة.
وكانت المدرسة قد صورت مقطع فيديو سابقاً للطفلة ميار تكريماً لتفوّقها الدراسي، لكن صواريخ الاحتلال لم تمهلها لتشهد لحظة التكريم، ولا لترى هذا المقطع المصور، واستُشهدت مع أخيها وأبيها.
هاجر البهتيني البالغة من العمر 5 سنوات، ابنة القائد خليل البهتيني، لم تلتحق بمدرستها يوم الثلاثاء، فقد استشهدت وأبيها متأثريَن بجراحهما جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

يوسف خصوان، ابن طبيب الأسنان جمال خصوان، الذي يحظى بسمعة طيبة، وهو رئيس مجلس إدارة مستشفى الوفاء في غزة، وقد عُرف بـ “طبيب الفقراء”. استشهد يوسف مع والده بقصف الاحتلال.

آدم عصام عياد (16 عاماً)، استشهد في 3/1/2023، برصاصة في الصدر، خلال اقتحام قوات الاحتلال الاسرائيلي مخيم الدهيشة، جنوب بيت لحم. وشرع الجنود في دهم منازل المواطنين وتفتيشها، وإثر ذلك اندلعت مواجهات، اطلق خلالها الرصاص الحي والمغلف بالمطاط وقنابل الغاز والصوت بصورة عشوائية، ما أدى الى إصابة عياد الذي فارق الحياة قبل وصوله المستشفى.

77 طفلاً منذ بداية 2022
على عكس رفاقه، استشهد الطفل ريان ياسر سليمان (7 أعوام) من الخوف وليس بالرصاص، بعد أن توقف قلبه عن النبض أثناء ملاحقة قوات العدو الإسرائيلي ومطاردتها له، في 29 أيلول الماضي قرب بيت لحم.
كان ريان يطمح لأن يصبح ممرضاً عندما يكبر، كما كان لاعباً عاشقاً لكرة القدم، إلا أن والده لم يستوعب لحظة مشاهدة ابنه ملقى على الأرض وسط جنود الاحتلال.

الشهيد الطفل محمد أبو صلاح، من سكان بلدة اليامون، استشهد في شباط 2022 برصاصة قناص إسرائيلي في عينه اليمنى، أثناء وجوده بالقرب من المدخل الشرقي لبلدة السيلة الحارثية.
الطفل سند أبو عطية، من سكان مخيم جنين، استشهد في آذار العام الماضي، برصاصة في صدره، أثناء محاولته مساعدة أحد الشبان الذي أصيب برصاصة في رأسه، وذلك إثر انسحاب قوات جيش الاحتلال من المخيم.
الطفل محمد قاسم، من سكان مدينة جنين، استشهد بتاريخ نيسان 2022، برصاصة في بطنه، أطلقها عليه جندي صهيوني خلال اقتحام مدينة جنين. وبعد أن نقل إلى مستشفى الرازي في المدينة، تبين أن الرصاصة مزقت الأوعية الدموية ما أدى لنزيف حاد، كما عثر الأطباء على العديد من الشظايا الحادة في منطقة الحوض والأرداف.
الطفل شوكت عابد، من سكان قرية كفردان، استشهد في نيسان الماضي، برصاصة في بطنه، أطلقها عليه جندي إسرائيلي من مسافة تقدر بحوالي 25 مترا من داخل جيب عسكري، وذلك خلال انسحاب قوات الاحتلال من القرية عقب اعتقال عدد من المواطنين.
الطفل أمجد فايد، استشهد في أيار 2022، بعدة رصاصات إحداها في صدره، أطلقها عليه جندي إسرائيلي خلال تواجد آليات عسكرية في طريق ترابية بالقرب من شارع حيفا في مدينة جنين، وذلك بعد اقترابهما من مكان تواجد القوة العسكرية.
يوم الطفل الفلسطيني
تم الإعلان عن جعل يوم 5 نيسان مناسبة ليوم الطفل الفلسطيني، ويعتمد القانون الفلسطيني تعريف الطفل في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة لعام 1989، بأنه “كل شخص يقلّ عمره عن 18 عاماً”.
هذه القوانين والمناسبات لا جدوى لها، فهي ليست سوى كلاماً على ورق، في ظل الصمت الدولي المتعمّد، وعدم تحريك الجامعة العربية ساكناً، غير بيانات الإدانة الإنشائية، لقتل الاحتلال آلاف الأطفال تاريخياً واستخدامهم دروعاً بشرية أثناء اقتحاماته المناطق الفلسطينية.
https://twitter.com/i/status/1642274342263242754