/ ايفا ابي حيدر/
رغم الاوضاع المالية الصعبة في البلاد، أدّى كلّ مِن تدخّل المركزي عبر صيرفة والتعميم 165 دوراً ايجابياً في خفض الدولار في السوق السوداء الى 95 الفاً أمس للمرة الاولى منذ اشهر. الا انّ لهذين العاملين مخاطرهما على لبنان الذي بات ساحة جاذبة لتدفق العملات الصعبة التي يدخل جزء منها بغرض تبييض الاموال.
عندما صدر التعميم 165 كان المقصود به ظاهرياً عودة إجراء التحاويل النقدية بطريقة الكترونية كما كان سائداً في النظام المصرفي ما قبل الأزمة. وقد سمح التعميم بتبادل شيكات صادرة عن حسابات “فريش” بالعملة اللبنانية وبالدولار الاميركي، على ان يتبعها لاحقاً إصدار بطاقات دفع مرتبطة بالحسابات النقدية، يمكن استعمالها من دون اي عمولات اضافية لدى كل نقاط البيع في لبنان، على انّ الهدف من ذلك تخفيف عبء استعمال الاوراق النقدية لتسديد ثمن المشتريات وغيرها، الا انه ما لبث ان تكشّف انّ هذا التعميم قد يؤدي الى تمرير عمليات تبييض اموال وحصر المقاصّة بالمصرف المركزي. فما مدى خطورة هذا التعميم؟ ولماذا استبق اي حل للاموال الموجودة في المصارف منذ ما قبل تشرين 2019؟
في السياق، أوضحت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ الخطورة في هذا التعميم تكمن خصوصاً في كَون المقاصّة التي ستنحصر بمصرف لبنان لن تدخل بالنظام المصرفي الاميركي والمقصود انها تتم من دون رقابة خارجية على الاموال، وهذا ما سَهّل في السابق التأخر بالاكتشاف انّ الدولارات الموجودة في النظام المصرفي أصبحت وهمية. وبالتالي، ان خطورة هذا الموضوع تتعدى مسألة تبييض الاموال وتكمن خصوصاً في تجنّب السيناريو الذي ادى الى الأزمة المالية التي نعيشها حاليا، إذ هناك خشية من ان يتبين لاحقا ان المقاصّة المحلية تحصل على دولارات غير موجودة. وبالتالي من اجل ضمان ان هذه الدولارات موجودة، المفروض أن تمر المقاصّة بالمصارف المراسلة اي ان تمر بالنظام المصرفي الاميركي، وذلك لتجنّب اي “بونزي سكيم” جديد. واعتبرت المصادر ان هذا النظام المُتّبع خطر جداً وتوقيته دقيق خصوصاً في اوضاع مماثلة للتي نمر بها في لبنان حيث الثقة مفقودة والمشاكل المالية متفاقمة.
في المقابل، قالت مصادر مصرفية لـ”الجمهورية” انه ينبغي الابتعاد عن المزايدات والبحث عن الهدف الفعلي للتعميم، إذ وبسبب التلكؤ عن تطبيق الاصلاحات المطلوبة تحوّلنا الى اقتصاد الكاش والمدولر بنسبة لا تقل عن 80 %، وبالتالي انّ كل المدفوعات تتم اليوم نقدا بواسطة الشنط أو الاكياس وبالتالي أيّهما افضل العودة الى الشيكات والبطاقات الائتمانية او الاستمرار باقتصاد الكاش؟
اما عن اعتبار التعميم عاملا مساعدا في تبييض الاموال، فتقول المصادر ان الدولار يدخل الى المصارف نقدا والمصارف لا تزال تقوم بدورها في التدقيق بمصدر الاموال وتطبيق “اعرف عميلك”، ولا تزال تطلب مستندات للتأكد من مصدرها، على سبيل المثال انّ التجار الراغبين بالاستيراد يجلبون الاموال نقداً الى المصارف فيتم تحويلها مباشرة الى الخارج بعدما يكون تمّ التأكد من مصدرها وقام المصرف بالاجراءات التدقيقية اللازمة، لا بل يمكن القول انّ التدقيق زاد بعدما تحوّل اقتصادنا الى اقتصاد نقدي وفريش.
ورداً على سؤال، تساءلت المصادر هل يعقل ان مصرف لبنان لدى إصداره هذا التعميم لم يتنبّه الى المخاطر التي قد تنتج عن تطبيقه؟ والمؤسف انه من جهة هناك انتقاد دائم للمصارف عن تقاعسها عن القيام بدورها وأين الخدمات التي كانت تقدمها وعندما تكون هناك محاولة للتحسين في ظل غياب الدولة وتقاعسها عن القيام بأي اجراءات اصلاحية لحل هذه الأزمة تنتقد ايضاً. وشدد المصدر على ان الهدف من التعميم السير بإجراءات عملية تسهّل على الافراد، وبدلاً من حمل اكياس من الاموال نعود الى استعمال البطاقات المصرفية او الشيكات. واعتبر المصدر انّ السؤال الاهم اليوم بعد صدور هذا التعميم يجب ان يكون عن مصير الحسابات المصرفية القديمة لأنّ هذا التعميم سمح بفتح حسابات مصرفية جديدة بالفريش؟ ماذا عن مصير الشيكات القديمة هل يعقل ان يستمر بيعها بنسبة 10 % من قيمتها؟ وتوجهت المصادر الى النواب بسؤال عن مصير مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف، مشروع قانون اعادة التوازن للقطاع المالي، مشروع قانون الكابيتال كونترول؟
وعن اعتبار التعميم “بونزي سكيم” بأنه جديد، قال المصدر: كيف يعقل ان يكون كذلك ويمكن تحرير شيك مصرفي بهذه الاموال؟ اما عن المقاصّة بالدولار فيمكن القول ان هناك العديد من البلدان لا تملك مقاصة بالدولار أيّاً يكن مجموع احتياطها بالعملات الاجنبية مثل اي بلد في الاتحاد الاوروبي، والعديد من البلدان العربية… لأنّ المقاصة عادة تكون بعملة البلد.