/ رندلى جبور /
يتّهم البعض مَن لا يحملون الفرشاة ولا يمسحون جوخ رجال الدين، بأنهم من “أهل ذمّة”، مع أن هؤلاء قد يكونوا أكثر التصاقاً بدينهم وروحانيته وفلسفته من رجال الدين أنفسهم.. ومن ماسحي جوخهم!
فماذا يفعل رجال الدين المسيحيون، مثلاً، بقضية الوجود المسيحي في لبنان اليوم؟
مناسبة السؤال، هي الهواجس المتعلقة ببقاء المسيحيين عند كل أزمة أو حرب أو انهيار. مثال بسيط، لكنّه معبّر: في العام الدراسي الأخير، “تبخّر” من مدرسة كاثوليكية واحدة أكثر من 150 عائلة، إما هجرةً إلى خارج البلاد وإما نزوحاً إلى مدرسة أقل كلفة. وهنا الكلام عن فرع واحد من مدرسة مسيحية واحدة!
وإذا كانت إدارات المدارس غير قادرة على الحِمْل، ومضطرة أن ترفع أقساطها، مع جنون الدولار وتكاليف التعليم من رواتب وصيانة ومستلزمات وغيرها، ألا يمكن للكنيسة، بمعناها المؤسساتي أو البطريركي أن تتدخّل لحماية الوجود المسيحي، ببعده البسيط على الأقل، خصوصاً أن الأملاك المسيحية كثيرة وكبيرة؟!
الوجود، في بدائيته، يرتبط بالمسكن والصحة والتعليم والعمل. فهل بادرت الكنيسة في هذا الاتجاه؟ وهل قدّمت مبادرة ما لتؤمّن لأبنائها هذا الرابط بالأرض لئلا تفرغ من مسيحييها؟
ماذا فعلت الكنيسة بالمسكن؟ وأي مبانٍ بنتها أخيراً ودعت الشباب المسيحيين ليسكنوا فيها، بدلاً من أن يغادروا لأنهم غير قادرين على شراء سقف فوق رؤوسهم؟
وكم مريض مسيحي قادر على الدخول إلى مستشفيات هي مؤسسات مسيحية؟ وكم هي نسبة الإذلال على أبوابها؟
وماذا فعلت الكنيسة أمام موجة الهجرة من المدارس الكاثوليكية؟ وأي مساعدة قدّمت للعائلات غير القادرة على تسديد الأقساط؟
وأي فرص عمل أوجدت للشابات والشباب المسيحيين؟ وأي مشروع منتج، أو باب فتحته، لئلا يفتحوا حقيبة سفرهم ويضعوا فيها أحلامهم الوطنية، ويغادروا إلى غربة هم فيها أرقام فقط لا غير؟
وأي صرخة جدّية رفعت الكنيسة في وجه النزوح السوري الذي بات من أخطر ما يهدد الوجود؟
هذا الكلام ليس تنظيراً، بل دعوة إلى مبادرة واقعية وعملية، إذ إنه يمكن رهن بعض الأملاك، والاستثمار بمردودها المالي، لتقديم بدائيات الوجود للمسيحيين، من المسكن إلى الصحة والتعليم وفرص العمل، وبمشاريع منتجة، لا عطايا مجانية وهبات.
ومثل هذه المبادرات، بحسب المعلومات، لا يمكن لرهبنة أو دير أو إدارة مدرسة أو مستشفى القيام بها، لأنها تحتاج إلى قرار بطريركي يحظى بموافقة فاتيكانية. فهل يتخذ رأس كل كنيسة، القرار؟ وهل يمكن للفاتيكان أن يرفض طرحاً يقي المسيحيين شرّ تهجيرهم الأخير، وزوالهم من هذه الأرض؟
نحن نحتاج فقط إلى إرادة وقرار، لتكون الكنيسة ضامنة حقاً للوجود المسيحي في لبنان في مثل هذه الايام.
نحن نحتاج فقط أن يشعر القيّمون على الطائفة بأبنائها.