/ جورج علم /
يحصد سليمان فرنجيّة مزيداً من التعاطف لدى الجمهور المسيحي، كونه المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية، والأكثر صدقاً وشفافيّة من قادة الأحزاب والتيارات المعارضة، التي تتلهى بالشعارات الشعبويّة.
إطلالته الأخيرة من بكركي خفّفت من وقع الصدمة التي أحدثها الثنائي الشيعي في البيئة الوطنيّة، والمسيحيّة تحديداً. كان الترشيح إستفزازيّاً، ماذا لو إجتمع القادة المسيحيّون ورشحّوا شخصيّة شيعيّة لرئاسة مجلس النواب من دون التنسيق والتشاور مع “الثنائي”، كيف كانت ستكون ردّة الفعل؟
هذه ثغرة لم تردم بعد، والمسألة هنا أبعد من عدد، ومن 65 نائباً، ومن توفير نصاب. إنها فعل استقواء، ونهج هيمنة، وفائض قوّة، وهذا ما يناقض صيغة العيش المشترك. إلاّ أن الحسابات لا تتوقف هنا. كان بإمكانه أن يكون أكثر إقناعاً، لو صاغ الأفكار بإسلوب موضوعيّ. جال على ملفات تشغل الرأي العام، منها: الإستراتيجيّة الدفاعيّة، وعودة النازحين، الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي.
رصيده في المعالجة أنه “يمون”. قال إنه الوحيد الذي بإستطاعته أن يأخذ من “حزب الله”، وسوريا، ما لا قدرة للآخرين. وقال بأنه سيدعو إلى حوار وطني للتفاهم على استراتيجيّة دفاعيّة. فاته أن الرئيس ميشال سليمان سبق ودعا، وطرح الاستراتيجيّة الدفاعيّة على بساط البحث، وتمّ التوقيع على إعلان بعبدا. وعند التنفيذ، قال له الحزب “إغليه وإشراب ميّتو؟!”
يعرف فرنجيّة، كما غالبية المتعاطين بالشأن العام، بأن الحزب لا يمكن أن يقدّم تنازلات لإقرار استراتيجيّة دفاعيّة، إلاّ إذا وافقت إيران. وعندما تبادر، فإنها تهدي التنازلات التي تتطلّبها الاستراتيجيّة الدفاعيّة إلى الأميركي، أو الروسي، أو الصيني، أو أيّة دولة عظمى تربطها معها مصالح عليا، ولن تفعل ذلك كرمى لعيون المعارضة، أو بعض رموز قوى 14 آذار.
وما ينطبق على سلاح الحزب، ينطبق على ملف النزوح. لا أحد ينكر خصوصية العلاقة التي تربط فرنجيّة مع الرئيس بشّار الأسد، وهذه قد تسهّل، وتساعد، لكّنها لا تعطي تأشيرة العودة، من يعطي، أو يساهم في توفير شروطها:
1 ـ تفاهم وطني لبناني عام على معالجة ملف النزوح، الذي لا يزال موضع تباين، ويتوّج بقرار صادر عن مجلس الوزراء لحكومة دستوريّة، ميثاقيّة، مقتدرة.
2 ـ تنفيذ القرار 2254، حول الوضع في سوريا، والصادر عن مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه في 18 كانون الأول 2015.
3 ـ إنجاز التسوية السياسيّة وفق خريطة الطريق التي رسمها المبعوث الدولي غير بيدرسون، والتي شددّ عليها مؤخراً البيان الصادر عن وزراء خارجيّة دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب مصر والعراق والأردن. كذلك البيان الصادر في ختام زيارة وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق مؤخراً.
4 ـ الأخذ بعين الإعتبار مواقف الدول الصديقة والشقيقة صاحبة المصالح الحيويّة في سوريا ولبنان، والتي تؤثر على مجريات الأمور، من الأميركي، و”قانون قيصر” مروراً بالروسي، والأوروبي، والإيراني، والصيني، وصولاً إلى الخليج، ومساعي العودة بسوريا إلى أحضان الجامعة العربيّة.
وتبقى الإصلاحات ممرّاً إلزاميا للعبور بلبنان من جهنّم إلى العناية الفائقة. والملف مفتوح منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين، مع شعار دولي ـ إقليمي مكرر “ساعدوا أنفسكم، كي نساعدكم”، وبديهي أن يكون في صدر الأولويات، سواء وصل فرنجيّة إلى بعبدا، أو غيره، لكن مع التذكير بالصلاحيات، الرئيس يوجّه، لكن الفعل يعود إلى مجلس الوزراء، والحكومة التي يفترض أن تحظى دائماً بثقة المجلس النيابي.
بالطبع، هناك الكثير من الأجواء الضبابيّة التي لا تزال تغلّف الإستحقاق الرئاسي، وهناك الكثير من علامات الإستفهام على الطريق الذي يسلكه فرنجيّة إلى قصر بعبدا، ولكن بالمقابل لا بدّ من الإقرار بنقاط القوّة التي يملكها:
أولاً، أنه واحد من أقوياء الموارنة، وفق التصنيف التعسّفي المتبع منذ العام 2016.
ثانيّاً، إن مبعث قوته نابع من ضعف المعارضة. تكتلات متباعدة، متنافرة، لا تجتمع على رأي، ولا تجمع على مرشح واحد تعتمده في سباق الاستحقاق، بل شعارات، واجتهادات لا تركب على قوس قزح.
ثالثاً، إن معركته يديرها في الداخل ثنائي متمكّن، وفي الخارج دولة عظمى ـ فرنسا ـ ولا يمكن التقليل من شأنها. ملف سليمان فرنجيّة لا يزال على مكتب الرئيس إيمانويل ماكرون، وهناك تحضيرات بدأت لزيارة يستعد للقيام بها إلى الرياض للتوافق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على خريطة طريق خاصة بلبنان، تساعد فرنجيّة على بلوغ القصر الجمهوري، بشبه إجماع وطني.
رابعاً، هناك النفط، والغاز، وملف ترسيم الحدود البحريّة، ودور “حزب الله”، والطموحات الفرنسيّة الإقتصاديّة ـ الإستثماراتيّة، من خلال شركة “توتال” التي تؤسس لدور فرنسي كبير في البلوكات البحرّية، والعودة الفرنسيّة إلى المرفأ، والعروض التي تشمل قطاعات الكهرباء، والطاقة، والمصارف، والبنى التحتيّة…
خامساً، يبقى الاستحقاق الرئاسي مجرد عنوان لتسوية هي الآن أمام محطات واعدة قبل القمة العربيّة، أو في ضوئها، رغم الغيوم الداكنة الوافدة من السودان الملتهب والتي ترخي بظلها على سياسة الإنفتاح، ومسارات التسويات في المنطقة. وإن الإهتمام الفرنسي بفرنجيّة، وبالحوار مع “الحزب”، إنما هو مجرّد عنوان متمّم لخريطة الطريق هذه، وعند موافقة الدول المعنية على بنودها، وطريقة الإخراج، يصبح الفول في المكيول… وعندها يصحّ للمعارضة أن تتواضع وتلتحق بقطار التسويّة، كي لا تبقى وحيدة في محطة الانتظار!