“بركان” السودان يستهدف “القمة”.. ولبنان ينتظر “الصندوق”.. أو “س ـ س”!

/ جورج علم /

كلّما داويت جرحاً، سال جرح. قبل أن تنهي المملكة العربيّة السعوديّة الوضع في اليمن، وتنعطف نحو سوريا، إنفجر الوضع في السودان، ودارت شبهات حول “إسرائيل” من جهة، والمخابرات الأميركية من جهة أخرى.

صحيفة “واشنطن بوست” ذكرت بأن مدير المخابرات وليام بيرنز زار الريّاض، وعبّر عن امتعاض واشنطن من:

  • تطوّر العلاقات السعوديّة ـ الصينيّة، خصوصاً في مجالي الطاقة والتكنولوجيا.
  • الإتفاق السعودي ـ الإيراني، برعاية الصين، وقرب عودة العلاقات الدبلوماسيّة.
  • محاولات إعادة سوريا إلى الجامعة العربيّة.
  • الدور السعودي داخل منظمة “أوبك +” حول الطاقة.

وطرحت صحيفة “الأهرام العربي والدولي” تساؤلات حول دور “إسرائيل” في نفخ الجمر من تحت الرماد في السودان. حكومة اليمين المتطرّف برئاسة بنيامين تنياهو لم تكن مرتاحة لخطوات التطبيع مع الخرطوم وفق خريطة الطريق التي رسمتها حكومة يائير لبيد، وربما إختارت التوقيت المناسب لتوجيه رسائل برسم القمة العربيّة في الرياض، والتي يريدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، “استثنائيّة” بكامل المواصفات والمعايير.

وتلتقي مخابرات نتنياهو مع المخابرات الأميركيّة في محاولة لنسف الجسور ما بين الرياض وبكين، والرياض وطهران، والإنفتاح على دمشق، ومحاولات عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، والتفرّغ إلى إحداث تغيير جذري في التحالفات السياسيّة في الشرق الأوسط، والسعي للخروج من دوّامة “القطب الواحد”، نحو عالم متعدد الأقطاب.

ولا تغيب الأزمة داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي عمّا يجري في السودان. لقد خطف المشهد السوداني الأنظار عن داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي المأزوم، ووفّر فرصة مؤاتية أمام الحكومة اليمينيّة لتنفيذ أجندتها المتطرّفة بأقل قدر من الخسائر السياسيّة والمعنويّة. لكن المحاولات تبدو بائسة لغاية الآن، إلاّ إذا حصلت تطورات دراميّة في الخرطوم، ودفعت بالأمور نحو مسارات أخرى تخطط لها واشنطن، لتتحكّم بمفاصل هذا البلد الذي يحتلّ موقعاً استراتيجيّاً في أفريقيا والعالم العربي.

بالمقابل، تحرّكت إطفائيات العالم، حصل توافق أميركي ـ إماراتي ـ سعودي حول ضرورة وقف القتال. وصدر بيان أميركي ـ سعودي ـ بريطاني ـ إماراتي، وآخر أميركي ـ أوروبي، ونداء عاجل من الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء “الأعمال القتالية فوراً”. لم يعد مهمّاً من يضغط على الزناد، بل من يضغط على زمام القرار. الفرنسيون قلقون، قالها الرئيس إيمانويل ماكرون صريحة، ما يجري في السودان، محاولة مكشوفة لإعادة خلط الأوراق. هناك من يريد أن يبدّل الأولويات بحيث لا يعود الإهتمام منصبا على التفاهم السعودي ـ الصيني ـ الإيراني، ولا على عودة العلاقات بين الرياض وطهران، ولا على سوريا ومحاولات إعادتها إلى الحضن العربي. هناك من هو منزعج، ولا يرى مصلحة في أن تشكّل القمة العربيّة في الرياض منعطفاً استراتيجيّاً جديدا في الشرق الأوسط.

ماكرون زار بكين، ومعه 50 من كبار الصناعييّن ورجال الأعمال، كان هدفه الصعود الى القطار الصيني ـ السعودي بحثاً عن مقعد مريح، ومحطات واعدة، وانتقد الارتماء الأوروبيّ في الأحضان الأميركيّة.

صحيفة ” لو فيغارو” عنونت: “عندما يخرج ماكرون عن التاريخ”، وانتقدت بعض ما جاء في حديثه إلى الإعلامييّن على متن الطائرة التي أعادته الى باريس.

صحيفة “ويست فرانس” خرجت بعنوان: “عودة ماكرون الصعبة من الصين”، وقالت: “كانت الرحلة إلى بكين معقّدة، ومليئة بالمزالق”. واعتبرت أنه لم يمر الوقت على انتقاده “الإستزلام” الأوروبي للسياسات الأميركيّة، حتى اندلعت الحرائق في السودان. ما هذه المصادفة؟!

فوجئت الرياض بتحويل الخرطوم إلى صندوق بريد سريع لتوزيع الرسائل المشفّرة، لكنها كانت قد استدركت المفاجآة المحتملة، وحافظت على مستوى عالٍ من التنسيق مع واشنطن، حول كل الملفات، إدراكاً منها لحجم نفوذها في المنطقة.

ما تحقّق لغاية الآن ليس بقليل. دخل اليمن مساراً جديداً لم يكن متوافراً من ذي قبل. كذلك دمشق. زيارة وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى الرئيس بشّار الأسد ليست مجرّد تفصيل. تبادل السفراء بين الرياض وطهران في 9 أيار المقبل، يبنى عليه.

محليّاً، يضيق برج المراقبة بمتتبعي التطورات.

ما يسجّل، تقاطر الوفود النيابيّة إلى واشنطن للتفاوض مع ممثلي صندوق النقد الدولي. التوقيت له رمزيته في العاصمة الأميركيّة. صورة إبراهيم كنعان في البيت الأبيض، أزعجت كثيرين من طالبي القرب من الرئاسة الأولى. وبعضهم راح ينسج على نول التقارب السعودي ـ السوري، ويمنّن النفس بأن تصبّ الغلال على بيدر الاستحقاقات لمصلحته.

التقارب هذا، لم يكتمل فصولاً بعد، وما زال في خطوته الأولى، ومع ذلك بدأت حسابات من نوع آخر:

  • ما هو موقف “القوات اللبنانيّة” من النظام السوري، إذا ما نجحت الرياض في الانفتاح على دمشق؟ وهل ستبقي على المعزوفة المعروفة، أم تبدّل الإسطوانة؟
  • ما موقف “حزب الله”، في حال عودة معادلة “س ـ س” إلى كامل زخمها؟ وهل سيبقى الرئيس الأسد على عهده بإحالة زوّاره من اللبنانييّن على الحزب كمرجعيّة، للنظر بمطالبهم.. أم سيسحب الوكالة، ويصبح هو المرجعيّة؟
  • ما هو مصير الإستحقاق الرئاسي؟ هل ينتظر استكمال معادلة “س ـ س”، أم ان الولايات المتحدة تستعجل انتخاب أحد مرشحي صندوق النقد؟!

لا جواب حاسماً، بانتظار “بركان” السودان، وما قد يفرزه من تداعيات، ومستجدات…