/ جورج علم /
سقطت معادلة “ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم”، والبديل لم يولد بعد، إنه لا يزال يتكوّن في رحم المبادرات.
كان الأمين العام للأمم المتحدة صريحا للغاية، فاجأ الرئيس ميشال عون بالسؤال: “هل الحوار من الممنوعات في وطن حوار الحضارات، والثقافات، والأديان؟”. تشجّع الرئيس، ودعا، لكن أحدا لم يلبِ. خطوط بعبدا مقطوعة مع الجميع بإستثاء “أشرف الناس”. المفاجأة كانت مع الخارج. تأخرت الردود.. حتى “الأم الحنون” لم تبالِ، ثمّة أولويات عندها، بينها “بيان جدّة” الذي ألقى عليه الرئيس نجيب ميقاتي التحية، وسلام الوداع!
الفرنسيون عاتبون. بيان جدّة صاغ مندرجاته الرئيس إيمانويل ماكرون مع ميقاتي عندما أولم على شرفه في قصر الآليزيه، وقبل أن يتوجه الى جدّة للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
البيان غنيّ بالمواصفات، إنه “رسمي” يلخّص محادثات زعيمين كبيرين. إنه يتضمن فقرة خاصة تعكس مدى الإهتمام السعودي – الفرنسي بلبنان، وقبل نشره، كان إتصال هاتفي مباشر بين بن سلمان وميقاتي بمبادرة من ماكرون لوضع الفول في المكيول، لكن الفرحة لم تكن على إمتداد الطرحة، إستشعر “حزب الله” ريحا صافرة، فعطّل جلسات مجلس الوزراء. حسابات الدول تبدأ من الشكليات وصولاً الى الأساسيات، المفارقة أنها في الغرب تستند الى حاسوب، فيما عندنا لا تزال على الطبشورة، وخربشاتها على حائط الجيران! ينبئنا الحاسوب بأن العلاقة ما بين باريس وبيروت ليست سمنا وعسلا. جاء مرسال المراسيل بيار دوكان من دون أن يحمل رسالة من الإليزيه الى بعبدا. حمل معه حقيبة القرف والغضب، بديلاً عن حقيبة الأمل. إلتقى كثيرين، وكان صادقاً مع الجميع “في لبنان سلّة مهملات طافحة بالمبادرات، إنطلاقا من المبادرة الفرنسيّة، مروراً بالمبادرة العربيّة التي سوّق لها حسام زكي، وصولاً الى المبادرة السعودية – الفرنسيّة. سلّة المهملات لا تنتج مبادرات، ولا يصح أن تصبح المبادرات في سلّة المهملات!”.
عاصفة الغضب هذه عبر عنها ماكرون شخصيّاً عندما إمتنع عن الإتصال بعون لإطلاعه على قمّة جدّة. كان التفاهم على توقيت الإتصال بعيد الوصول الى باريس، لكن الذي جرى أن جبران باسيل قد صوّب مدافعه قبل أن تصل الطائرة الرئاسية الى مطار شارل ديغول، واللبيب من الإشارة يفهم، وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي الى إعادة الإعتبار للنصيحة التي أسدتها السفيرة الفرنسيّة في بيروت “مع سامج، فالج لا تعالج!”.
ثمّ خلاصات:
أولاً: المبادرة الفرنسيّة – السعوديّة لم تطرح أو تناقش في لبنان. لم تمر في قصر الصنوبر كما فعل ماكرون ذات يوم، ولا أيّ من القصور المحليّة، إنها مسار مختلف.
ثانياً: لقد حملها ولي العهد السعودي في جولته الأخيرة على دول مجلس التعاون الخليجي، وتضمّنت البيانات الرسمية التي صدرت، الفقرة التي وردت في “بيان جدّة” حول لبنان. كما حملها وزير الخارجيّة الأمير فيصل بن فرحان الى القاهرة، ونسّق المواقف بِشأنها مع الرئيس المصري، ووزير خارجيته، والأمين العام لجامعة الدول العربيّة.
ثالثا: أطلّ وزير الخارجيّة الفرنسي على الجمعية الوطنية يقول “لبنان الذي نعرفه إنتهى، يجب أن نبحث عن آخر جديد!”. الفرنسيّون لا يريدون لبنان السلاح، بل لبنان الإصلاح. السعوديّون لا يريدون إستبدال “الطائف” العربي، بآخر فارسي… ويبقى الأمل بالمبادرات، قبل أن تصبح الإنتخابات، بدورها، في سلّة المهملات؟!…