13 نيسان: “التوبة”؟!

/ سوسن صفا /

هي ذاكرة قاتمة، سوداء إلى حدٍّ فاقع…

إنها الحرب القذرة التي دامت عقداً ونصف عقدٍ من زمن اللبنانيين المتوقف منذ أمد بعيد…

اليوم يعود “13 نيسان” في زمن آخر. زمن جديد، لا جديد فيه سوى الرقم!

هل انتهت حرب اللبنانيين فعلاً؟ وهل أوقف الآخرون حروبهم؟ على اعتبار أن هناك من يعتقد أن الحرب اللبنانية الأهلية كانت “حرب الآخرين”، بأسلحتهم وبارودهم، ولكن بجثث اللبنانيين ودمائهم.

هل زالت المتاريس بين أبناء الوطن الواحد، وبين أحياء العاصمة الواحدة؟

ولماذا تبدو ذاكرة اللبنانيين مثقوبة؟! وكأننا قررنا عدم الاعتراف بخطايانا، وعدم التعلم من تجربتنا “الغنية” بكل أنواع الانقسامات والتناقضات.. والمشاهد المثقلة بالألم؟!

مع كل عودة، يأتي 13 نيسان مثقلاً بجراح عميقة لم تندمل، ولم تتعافَ بشكل كامل.. وكأنها تنزف ببطء في زاوية مظلمة، تنتظر شرارة صغيرة تفجّر عروقنا لتنزف بشكل أكبر وباندفاعة أكثر قوة…

هل توقف الزمن في “عين الرمانة” منذ ذلك الحين؟

وماذا عن زمن “السلم” الذي يفترض أنه أزال كل الآثار؟ وجمل التشوهات؟

هل نجح “السلم” في تقريب المسافات؟ وهل عمل على تقليص الخلافات؟ وهل رسم لنا طريقا للخلاص الحقيقي؟ أم أبقانا عالقين في مربع الخوف، وخلف أبواب طائفية لم نحكم إغلاقها جيداً، وتركنا مفاتيحها التي لم تصدأ بعد، معلّقة عند كل مفترق، جاهزة لفتح “أبواب الطائفية” عند اي لحظة؟

مع كل نيسان يعود المشهد بزخم أكبر، وتتكاثر الأسئلة وتتوالى بشكل أسرع، ربما لأن الحرب لم تنهكنا بالشكل المطلوب، “الخوف لا يمنع الموت، بل يمنع الحياة فقط” كما يقول نجيب محفوظ.

نحن شعب قرر أن يبقى على هامش الحياة، وأعطى الحرب “سند إقامة” دائمة في وطن لم يعرف الراحة يوماً..

الوطن يتوق إلى لحظة سلام فعلية، وإلى شعب تعافى من ذاكرة بشعة، ولغة طائفية بغيضة، وجدران مرفوعة وقناصة محترفين…

والوطن يتوق إلى شعب تعلم معنى الانتماء، والتعلق بالأرض، ومارس فعل السيادة بحق بعيداً عن المزايدات والرهانات…

اليوم يعود 13 نيسان بوجه جديد، بحرب من نوع آخر.. حرب لم يعد صوت المدافع يعلو فيها، حرب صامتة، أكثر لؤماً، وأكثر خبثاً.. وقد تكون أكثر وجعاً…

حرب صامتة، تقتلنا بنعومة فائقة، تسللت إلى كل بيت، أفقرتنا جميعاً، وسرقت منا كل أنواع الأحلام!

حرب أيقظت سوادنا بشكل مخيف، وعرّتنا أمام أنفسنا، وأظهرت لنا فشلنا بكل وضوح!

نحن لم نتعلم فعل الحب، ولم نتقن فن التجذّر بالوطن الذي سجنّاه في أغنية لفيروز، ورددنا أمل عودته مع زكي ناصيف.

الوطن ينتظر عودتنا، جميعاً، إلى كلمة سواء.. إلى فعل جمع حقيقي.. إلى توبة فعلية .. فللشهداء حق علينا، وللدماء دّيْن علينا…

متى نستذكر ولا نستعيد 13 نيسان؟!