متى يتغيّر “الدولار الجمركي”؟

/ محمد حمية /

عاد ملف “الدولار الجمركي” إلى الواجهة بقوة ليطرق أبواب الاقتصاد اللبناني ويهدد جيبة المواطن الفارغة أصلاً جراء الانهيارات المالية والاقتصادية المتتالية، وذلك بعدما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طلب من وزير المالية يوسف خليل، سحب هذا البند من التداول في تشرين الثاني الماضي وتأجيل النقاش به إلى ما بعد رأس السنة.

ويجري التداول في أروقة السراي الحكومي ودوائر وزارة المال عن إعادة طرح الملف في أول جلسة لمجلس الوزراء ويجري درسه في وزارة المال ليكون جاهزاً عندما ينعقد المجلس. أما المبررات التي يقدمها الفريق الداعم لرفع سعر “الدولار الجمركي” والذي يترأسه ميقاتي ووزير المالية، هو زيادة إيرادات خزينة الدولة المفلسة لكي تستطيع سد الانفاق المتزايد والأعباء المترتبة عليها جراء ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية. فلا يمكن إبقاء ايرادات الدولة وفق سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1550 ل.ل، فيما الدولار يسجل ارتفاعات متتالية وصلت الى الـ29 ألف ليرة.

إلا أن معلومات خاصة بموقع “الجريدة” كشفت بأن هذا الموضوع يشكل خلافًا حادًا داخل مجلس الوزراء، كما أن وزراء ثنائي “أمل” و”حزب الله” غير متحمسين لهذا الملف نظرًا لانعكاساته السلبية على الاقتصاد اللبناني المتهالك أصلاً، لذلك طلب ميقاتي تأجيل الموضوع لمزيد من الدرس وتأمين التوافق السياسي عليه.

لكن مصادر مطلعة لفتت لـ”الجريدة” إلى أن “البند سيطرح عاجلًا أم آجلًا وسيتم رفع الدولار الجمركي، لكن الأمر مرتبط بأي سعر صرف أو أي منصة ستعتمدها الحكومة في قانون الموازنة المقبلة: 6 آلاف أم 8 آلاف ليرة؟ موضحة أن الدولار الذي سيعتمد بالموازنة سيعتمد بمرفقي الجمارك والاتصالات. وتكشف المصادر أن وزارة المال تجري دراستها وفق سعر منصة 14 ألف ليرة للدولار.

وعلمت “الجريدة” أن فريقًا وازنًا داخل الحكومة يسعى باتجاه رفع الدولار الجمركي ومعهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، علمًا أن وزير المال كان يشغل في السابق منصبًا هامًا في مصرف لبنان ويعد من فريق عمل الحاكم سلامة. أما السبب بحسب المعلومات فهو تخفيف اعتماد الدولة ماليًا على مصرف لبنان وتمويل إنفاقها بنفسها بدل شراء الدولارات من المصرف المركزي أو على سعر السوق السوداء لتمويل الاستيراد.

أما وزير المال فيقلّل من أهمية التداعيات السلبية لرفع الدولار الجمركي ويتحدث عن إيجابيات، ويعتبر أن الدولار الجمركي لن يبلغ أكثر من 5% من قيمة السلعة. ويكشف عن أنه سيحقق مداخيل إلى الخزينة العامة بقيمة 12 ألف مليار ليرة تقريباً، إذا اعتُمد سعر صرف 14 ألف ليرة.

ويبدو أن رفع الدولار الجمركي يشكل أحد بنود التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي، فإن ثمة من يجزم بأن هذا القرار سيتّخذ عاجلاً أم آجلاً، لكنه في مطلق الأحوال لن يتأخّر كثيراً، لأنه لا مفرّ من رفع قيمة الدولار الجمركي.

في المقابل حذر خبراء اقتصاديون وماليون عبر موقع “الجريدة” بأن رفع الدولار الجمركي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار مختلف السلع والمواد المستوردة وبالتالي كارثة اقتصادية جديدة، والسبب أن الاقتصاد اللبناني استهلاكي ويعتمد بشكلٍ أساسي على الاستيراد، ما سيخلق بلبلة كبيرة في الأسواق التجارية وفي الاقتصاد بشكل عام، وسيدفع التجار الى زيادة أسعار السلع المستوردة بحجة ارتفاع سعر الدولار الجمركي، وهذا ما شهدته الأسواق في الفترة الأخيرة فور شيوع خبر رفع الدولار الجمركي.

ويوضح الخبراء أن زيادة إيرادات الدولة لا يكون برفع “دولار الجمارك” الذي يؤدي الى ركود الأسواق وشلل بالاقتصاد ولجم نسبة النمو فضلاً عن تشجيع التهريب والسوق السوداء، بل هناك مصادر أخرى وهامة للدولة، كاستثمار الأملاك البحرية ووقف ايجارات الدولة واعتماد نظام الضراب التصاعدية على الأرباح التجارية والعقارية وغيرها من المصادر التي لا تصيب المواطنين والاقتصاد في الصميم.

وفيما ترجح مصادر سياسية بألا تلجأ الحكومة إلى هكذا قرار غير شعبي قبل الانتخابات النيابية، تشير إلى أن رفع “الدولار الجمركي” ليس قرارًا عاديًا، بل إنه يرتبط بالاقتصاد بشكلٍ عام ويؤثر عليه، لذلك يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء بأكثرية عادية ولا يمكن تمريره بمراسيم استثنائية، ولا يكفي توقيع وزارة المالية، ويجب تضمينه في الموازنة العامة التي تحتاج بدورها الى توقيع مجلس النواب.