انتخابات الرئاسة في “بنك” الأهداف “الإسرائيلية”!

/ جورج علم /

في بيت عنيا، صلاة وخشوع، وربطات عنق مختلفة الأشكال والألوان، ومشاعر محبوسة في الصدور، وأفكار مشوّشة تحرّكها أحقاد، وأنانيات، ومصالح الـ”أنا”، والـ”نحن”، والـ”هم”… وفي الختام، صورة تشتاق الى كلمة مأثورة، وإيجابيات مشكورة ليُبنى على الشيء مقتضاه. لكن المشهد كان ناقصاً، كلّ جاء من بيئته، وكلّ عاد إلى عشيرته، مخلّفاً وراءه مشهداً من مسرحيّة عبثيّة إسمها الاستحقاق الرئاسي، لم تنتهِ فصولاً بعد.

وفي بيروت، وزير قطري يجول على حارات “كل من إيدو إلو”، يسأل، يستمع، يستوضح، يستطلع، لا تنقصه الخبرة، ولا تفوته المعرفة، يمسك بالملف اللبناني من زواياه الأربع، يعرف الحاشية، والبطانة، ويقرأ الأفكار المتباعدة، والنظرات الشاردة، أكثر مما ينطقه اللسان، أو تلفظه الشفاه. جولته يبنى عليها، والبناء عربي ـ خليجي بهندسات لا تخلو من لمسات أميركيّة، إيرانيّة، فرنسيّة، مع أمل واعد بأن يحمّر القرميد قبل 19 أيار المقبل، موعد انعقاد القمة العربيّة بضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وفي الجنوب صواريخ مجنّحة برسائل سياسيّة، تنطلق من فراغات أمنيّة، وعن سابق تصوّر وتصميم، ومعروفة الحسب، والنسب، والأهداف، والتوقيت. لا شيء يمتّ بصلة إلى مفاجأة. لا مفاجآت عند من يهندس، ويخطّط، ويبني منصّة، ويجهّز صاروخ، ويقبض على الزناد. هناك من يرسم السيناريوهات، وينفّذ، غير عابىء بالمحاذير، وردود الفعل، لأن هناك أكثر من متضرّر من التقارب السعودي ـ الإيراني، ومن الإنتفاضة التحديثيّة داخل المملكة العربيّة السعوديّة، ومن دورها الريادي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن الهندسات الجديدة للتحالفات الكبرى في الشرق الأوسط، وآسيا، وإفريقيا، على وقع الزلزال الأوكراني، وتداعياته على منابع الطاقة، ومصادر الغذاء.

وتعرف الغالبيّة، الجانب المضيء من الهلال المشّع في سماء الخليج، والإقليم، لكن ماذا عن الجانب المظلم؟ هل الولايات المتحدة من مؤيدي، وداعمي طريق الحرير ما بين بكين، والرياض، وطهران؟ وأين إسرائيل مما يجري؟ وماذا عن الجماعات المتشددة في كلّ من الدول المعنيّة بالتحوّل الكبير في المنطقة، وهل تبصم لها على بياض، أم تتحيّن الفرص للانقضاض؟

وينتشر التطرف الإسرائيلي بفعاليّة في مراكز القرار، ويقبض على زمام الأمور، ولديه “بنك أهداف” يعمل على تحقيقها، وفقاً لمطامع ومطامح التلموديّين الذين يستثمرون بالفوضى. فوضى في قضم أراضي الضفّة الغربيّة. فوضى في العودة إلى قرى وبلدات فلسطينيّة سبق أن انسحبوا منها بموجب قوانين، وإتفاقيات. فوضى بالمواقف المسيئة للأردن، وسيادته على أراضيه. فوضى في التنكّر لقرار الدولتين، وتهويد القدس، وإستباحة الأقصى. فوضى في التصعيد ضد سوريا، والغارت الجويّة، والهجمات الصاوروخية من دون رادع.

والمثير، أن الاستحقاق الرئاسي يدخل ضمن “بنك الأهداف” من زاويتين:

الأولى، هناك مصلحة إسرائيليّة في إطالة أمد الفراغ الرئاسي، وإضعاف المؤسسات، وتفريغ الدولة من مقومات الصمود، والإستمرار، لفرض أمر واقع في مياه الجنوب، والإستثمار بحقل “كاريش”، وغيره، من دون حسيب أو رقيب.

الثانيّة، هناك مصلحة إسرائيليّة في إنتخاب رئيس ملمّ بإتفاق الترسيم، ويحظى بثقة “الراعي” الأميركي للإتفاق، وهندساته التطويريّة المستقبليّة، إستناداً إلى ما تختزنه الحقول العذراء في المياه الإقليميّة من كميات واعدة، تخدم “المصالح المشتركة”.

وبرزت إشارات حول الإختراق الإسرائيلي للإستحقاق الرئاسي منها:

  • إشارة السيدة باربرا ليف إلى اتفاق الترسيم من منطلق “إن الإدارة الأميركيّة مهتمة بلبنان، وقد لعبت دوراً محورياً للتوصل إلى إتفاق ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، وهذا إنجاز كبير، ومن المهم جدّاً أن يسارع اللبنانيّون إلى إنتخاب رئيس، وإعادة بناء المؤسسات، ووضع حدّ للفوضى”.
  • إشارة وفد “المجموعة الأميركيّة لدعم لبنان “تاسك فورس”، الذي زار لبنان مؤخراً، وعاين الأزمة من زاوية اتفاق الترسيم، وركّز على مجموعة من النقاط، أهمها، ضرورة انتخاب رئيس له خلفيّة سياسيّة مؤيدة للإتفاق، وصاحب مبادرة لمضاعفة المردودات التي يوفّرها، خصوصاً إذا ما استؤنفت المفاوضات غير المباشرة، وبرعاية أميركيّة، حول كيفيّة زيادة وتطوير المصالح الإقتصادية لكلا الطرفين.
  • إشارة شركة “توتال”، صاحبة الإمتياز في بحر الناقورة، والخاضعة لغرفة عمليات إسرائيليّة، وتملك هامشاً من التأثير المعنوي، وحتى العملاني، على لبنان المنكوب بجوائح سياسيّة، وماليّة، واقتصاديّة، واجتماعيّة عدّة، وهي واحدة من الشركات المؤهّلة لاستكشاف حقول الغاز والنفط في المياه الإقليميّة بما ينسجم مع المصالح الأميركيّة ـ الإسرائيليّة.
  • إشارة التنسيق الأميركي ـ الإسرائيلي حول لبنان، والتركيز على ضرورة تنفيذ القرارات الدوليّة ذات الصلة، وتحقيق الإصلاحات السياسيّة، والماليّة، والاقتصاديّة، طبقاً للمواصفات الأميركيّة المعروفة والمعلنة، والتي تشكّل غلافاً للأهداف والنوايا المبيتة للبنان المستقبل عندما ينتفض من الرماد، والوظيفة التي يفترض أن تسند له في محيطه العربي، والإقليم.

إن الجانب المضيء من هلال شهر رمضان المبارك مشعّ بالآمال البرّاقة، وبمواكب الخير الواعدة، من الحرّاك الخليجي ـ العربي لعقد قمّة إستثنائيّة في الرياض، حضوراً، وفاعليّة، وتوحيد صف، وإثبات دور على المسرحين الإقليمي، والدولي، في 19 أيار المقبل. إلى لقاء وزيري خارجيّة السعوديّة وإيران في بكين، والبيان الختامي الذي صدر، والذي يبنى عليه. إلى جولة الوزير القطري، وما قد ينبثق عنها من قناطر معقودة بتسوية منقذة…

بالمقابل، لا يمكن التقليل من الجانب المظلم، حيث المخططات المشبوهة، والبيئات الحاضنة للمجموعات المتزمتة، الرافضة، للحداثة، والإنفتاح، والحوار، والتلاقي.

ولا يمكن التقليل من مفاعيل الأخطبوط الإسرائيلي التلمودي الممسك بمقاليد السلطة، والذي يحاول أن ينجز بنكاً من الأهداف التوسعيّة عن طريق الفوضى المسلحة، بما يجعل المنطقة مستنفرة دوماً على خط زلزال ناشط، متجاهلا أن من يزرع العاصفة يحصد الريح!