رضوان عقيل
لم يتوضّح المسار النهائي لعملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص بعد رغم العلاقات الجيدة بين الجارين وهذا ما يشدّد عليه المسؤولون في البلدين، بحسب “النهار”. وإن كانت المفاوضات البحرية مع نيقوسيا لا تشبه ما رافق بالطبع الاتفاق مع إسرئيل، فإن هذا الملف تتحكم به “قطب مخفيّة” لم تفكك طوال كل هذه السنوات ولم تسوَّ بعد ولم تصل الى خواتيمها بعد مع قبرص التي زارها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على رأس وفد وزاري.
وسبقه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عندما كان مكلفاً بهذا الملف من الرئيس السابق ميشال عون. وإن كان اللبنانيون يغرقون في أزماتهم المتنوّعة فقد بات مطلوباً إنهاء صفحة الترسيم البحري مع الجزيرة، التي تنتقل من حكومة الى أخرى التي يجب أن تُستكمل في الوقت نفسه مع سوريا لتحديد الخريطة البحرية اللبنانية النهائية بعد إتمام المفاوضات مع تل أبيب برعاية الوسيط الأميركي.
هناك وجهتا نظر في لبنان حيال الترسيم مع قبرص، تقول الأولى بأنه يمكن الاكتفاء بما توصّلت إليه الدولتان عام 2011 مع تعديل عدد من النقاط أخيراً على اعتبار أن المفاوضات التي أدّت الى اتفاقية 2007 الشهيرة لم تعد موجودة إذ شابها ظلم في حق لبنان إبان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وتفيد وجهة النظر الثانية أن لبنان مظلوم حيال ما تمّ التوصّل إليه في الترسيم مع القبارصة بموجب المرسوم 6433 الذي أشار الى الحدود الجنوبية مع إسرائيل والغربية مع قبرص والشمالية مع سوريا ووُضع في الأمم المتحدة وأُبلغت بالإحداثيات المطلوبة بين هذه الدول المعنية.
وكانت نيقوسيا قد أقدمت على ترسيم بلوكاتها النفطية والغازية المتاخمة للمياه اللبنانية بناءً على المرسوم المذكور لا بل إن القبارصة يقولون إنهم يستحقون أكثر. هذا ما ينقله عضو لبناني شارك في المفاوضات معهم. ولا يبدو أنهم سيتراجعون عمّا اتُّفق عليه مع لبنان في هذا الخصوص مع الإشارة الى وجود دراسة في وزارة الخارجية والأشغال العامة اللبنانية تفيد أنه يمكن تحصيل مساحة بحرية أكبر مع القبارصة الذين رسموا حدودهم مع إسرائيل ومصر بالطريقة نفسها التي نفذوها مع لبنان. وتفيد معلومات أن تعديل ما اتفق عليه مع قبرص “أصبح شبه معدوم” مع خشية أن تقدم على تقديم شكوى ضد لبنان وأنه لا يمكن القفز فوق قواعد قانون البحار.
وتقول المصادر المواكبة لهذا الملف من الناحيتين التقنية والعلمية وبعيداً من أي أهداف سياسية، إن على لبنان إذا لمس بالفعل أنه مغبون في الترسيم مع القبارصة أن يقدم أولاً على تعيين فريق تقني مدعم بأعضاء خبراء في الترسيم وقانون البحار فضلاً عن رجال قانون في هذا الحقل قبل القيام بأي خطوة مع قبرص، ولا سيما أنها دولة صديقة وليست عدوة مثل إسرائيل التي تم الاتفاق معها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأدت الخلاصة مع تل أبيب الى عملية الترسيم البحري في الجنوب قبيل أيام من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
وتضيف المصادر أن على الجهات اللبنانية الرسمية سواء كانت سياسية أو تقنية أو عسكرية أن تعد ملفّها جيداً في الترسيم مع قبرص قبل الإقدام على أي خطوة أو الوقوع في أي “دعسة ناقصة” مع الإشارة الى أن القبارصة “ليسوا سهلين في المفاوضات وهم لم يتنازلوا بسهولة عمّا تمّ التوصّل إليه معهم في 2011 ومن دون التقليل من حجم مشكلاتهم مع تركيا في ترسيم البحر وتحديد البلوكات القبرصية. وليس من مصلحة لبنان هنا الدخول في أي أزمة مع الدولة الجارة. وإذا ثبت بالفعل وفق القواعد العلمية والتقنية الصحيحة أن للبنان حقوقاً أكثر ومن دون الوقوع في أي مزايدات على غرار تلك التي رافقت مفاوضات الترسيم مع إسرائيل، فلا مانع عندها من مفاتحة نيقوسيا في هذا الموضوع شرط التوصل الى موقف لبناني موحّد.
ولم يُراجَع الجيش في هذا الخصوص، وهو الجهة المؤهلة في حسم ترسيم الخط البحري النهائي من الناحيتين التقنية والعلمية، على أن يعود جواب الحسم للحكومة. لم يتألف فريق لبناني حتى الآن لمتابعة ملف مفاوضات مع قبرص الذي لا تجوز الاستهانة به لأنه يتناول مساحات بحرية لا يجوز التنازل عنها إن كان هذا الأمر مثبتاً. ويقول خبير على اطلاع على تفاصيل الترسيم مع نيقوسيا إنه “كان يمكن أن نحصل أكثر في اللقاءات والمفاوضات التي عقدناها في قبرص في 2011. وقضيتنا هذه مع الجزيرة الجارة تختلف بكل المعايير عمّا جرى مع الإسرائيليين. ولا نحتاج الى وسيط أممي أو من أي دولة لإتمام هذا الملف مع قبرص”.
في الزيارة الأخيرة للرئيس ميقاتي لنيقوسيا واجتماعه مع الرئيس نيكوس خريستو دوليدس والمسؤولين الآخرين تم التطرق الى ملف الترسيم بين البلدين وأجمعا على أنهما “لم يقعا في أي خلاف”. وتم الاتفاق على متابعة هذا الملف عبر مفاوضات تجمع فريقين تقنيين من البلدين. ولم يرافق ميقاتي في تلك الزيارة وزير الأشغال العامة علي حمية الذي يترأس اللجنة المعنيّة بترتيب ملف مفاوضات الترسيم مع قبرص. ويقول حميّة لـ”النهار” إن “اللجنة عقدت أكثر من جلسة وهي تضم كل الجهات المعنية المدنية والعسكرية الرسمية. وأعددنا التوصيات المطلوبة في شكل علمي ومفصّل ورفعتها الى الرئيس ميقاتي ونالت منه الموافقة المبدئية”. ويضيف “لا نحتاج الى وسيط مع قبرص وهي دولة صديقة لنا وتربطنا بها أواصر تقارب عدة ونحرص على ديمومتها. ونحن على استعداد من جهتنا للتواصل معهم وإن كانت لنا مساحات وحقوق أكثر فلن نتخلى عنها. وإن كانت لهم حقوق في مياهنا فنحن على استعداد ونحتكم كلنا تحت قواعد قانون البحار”.
قبل انتخاب رئيس للجمهورية لن يفتح لبنان صفحات كتاب التفاوض مع القبارصة. والى حين إتمام هذا الاستحقاق ولقاء وفدي لجنتي البلدين يبقى الترسيم بينهما من دون تعليق ومن دون طلاق، الأمر الذي لا يصبّ في مصلحة لبنان أولاً.