في غياب أي اختراقات سياسية في لبنان تتقدم الوقائع الاقليمية بكل ما يكتنفها من تداخلٍ والتقاء وتباعد وتناقض.
فإسرائيل المأزومة تحاول صَرْف الأنظار عن اهتزازاتها واضطراباتها الداخلية عبر اعتداءاتها المتكررة خارج حدود الكيان ولاسيما في سوريا.
فقد شنت قوات الاحتلال هجوماً صاروخياً على حمص بعد غارتين على دمشق وريفها الخميس والجمعة.
بعد هاتين الغارتين اعلنت ايران استشهاد اثنين من مستشاريها العسكريين العاملين في سوريا.
رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لم يتبنّ علناً هذه الاعتداءات لكنه لمّح إليها تلميحاً عندما قال اننا نكبد الأنظمة الداعمة للإرهاب خارج حدود اسرائيل ثمناً باهظاً.
وتأتي الاعتداءات كتعبير عن انزعاج اسرائيل من التقارب العربي مع دمشق ومن أحدث حلقاته قمةٌ محتملة بين الرئيسين السوري والمصري في وقت لاحق من هذا الشهر ودعوة متوقعة للرئيس بشار الأسد الى القمة العربية في السعودية في التاسع عشر من أيار.
كما تأتي عشية الاجتماع السوري – التركي – الروسي – الإيراني الذي يعقد بعد غد في موسكو فتم البحث خلال اتصال بين وزيري خارجية البلدين في الخطوات المقبلة في ضوء الاتفاق الثلاثي الأخير.
اما على المسار الإيراني – السعودي فثمة اتصال مرتقب خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة بين وزيري خارجية البلدين للاتفاق على موعد للقائهما المزمع بحسب ما اعلن الوزير حسين امير عبد اللهيان.
على كثرة الوقائع الإقليمية تبقى فلسطين في صلب المشهد تواجه المحتل من دون كلل أو ملل.
من ضمن هذه المواجهة عملية دهس أدت لجرح ثلاثة جنود اسرائيليين في الضفة الغربية ونفذها عنصر في جهاز الشرطة الفلسطينية ولعل في هذه الجزئية الكثير من الرسائل.
عملية الدهس جاءت بعد ساعات على جريمة اسرائيلية ذهب ضحيتها الطبيب الشاب محمد العصيبي عندما هبّ لحماية شابة فلسطينية في المسجد الأقصى.
في لبنان الملف الرئاسي يظل عالقاً بين مداولات الخارج وتباينات الداخل وسط تقصٍّ من جانب الكثير من القوى السياسية لما خلصت إليه زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى باريس.
وفي شأن متصل بهذا الملف تأكيد للمعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل ان الوطن يحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى الى عمل سريع على مستوى معالجة ازمته السياسية وانتخاب رئيس للجمهورية وإطلاق عجلة الاصلاح والاقتصاد.
بعيدا من الوقائع التاريخية المغلوطة التي يحاول ترويجَها كلَ مرة، حيث ينسب الى نفسه وحزبِه بطولات هي ملكُ شعبٍ كامل، ومؤسسةٍ كاملة، ورموزٍ باتوا جميعا اما تحت التراب او في موقع سياسي آخر، ضمن نفس الثوابت…
وبغض النظر عن اساءاته المستمرة لسائر الافرقاء المسيحيين، ومحاولاته الدائمة لتحميل ولاية العماد ميشال عون الرئاسية المسؤولية الكاملة عن كل ما حل بلبنان منذ التسعينات الى اليوم…
يبقى ان موقف سمير جعجع امس، كان لافتا في التوقيت والمضمون. فمن حيث التوقيت، هو اتى بعد لقاء مطول عقده مع السفير السعودي، واثر مصالحة سعودية-ايرانية، وتقارب بين الرياض ودمشق، مع تصاعد احتمالات دعوة الرئيس بشار الاسد للمشاركة في القمة العربية المقبلة في العاصمة السعودية. اما من حيث المضمون، فهو الاعلى سقفا لجعجع، لناحية رفض وصول مرشح حركة امل وحزب الله سليمان فرنجية الى الرئاسة، تحت شعار “ع بعبدا ما بتفوتو”.
غير ان الموقف المذكور لا يلغي الشكوك، خصوصا اذا طرأ تطورٌ اقليمي ما، ذلك ان تجارب رئيس القوات في هذا الاطار لا تحصى او تعد.
فبعد سؤاله الشهير “وهل تُسأل القوات عن موقفها من الطائف”؟ الذي قصد به انّ من البديهي ان تكون معارِضة للاتفاق المذكور، عاد وسار به وغطاه عسكريا وصولا الى 13 تشرين.
وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان وثورة الارز عام 2005، عاد والتحق بالتحالف الرباعي مع حزب الله وأمل، فضلا عن المستقبل وجنبلاط.
وبعد مزايداته في موضوع القانون الارثوذكسي، عاد وتنازل في 15 ايار 2013.
وبعدما بالغ في اتهام العماد عون زورا بأنه تابعٌ للمحور الايراني-السوري وحزب الله، عاد وانتخبه رئيسا عام 2016.
وبعد تفاهم معراب الذي قضى بدعم العهد العوني من التيار والقوات معا، عاد جعجع وانقلب على تعهداته، بدءا بالموقف من احتجاز سعد الحريري، ومرورا برفض التحالف مع التيار في الانتخابات النيابية، ووصولا الى الاستهداف السياسي المستمر، قبل وبعد 17 تشرين.
طبعا، لا نردد ما سبق من باب الامعان في شق الصف، بل للحث على التعلم من تجارب الماضي، لتكون عبرة للمستقبل… فعسى ان يستجيب رئيس القوات للدعوات الروحية والسياسية للتفاهم المسيحي ثم الوطني، ليبدد الشك بموقفه، باليقين.
فكيف اذا كنا على موعد هذا الاسبوع، الذي يصادف اسبوع الالام، مع لقاء روحي للنواب المسيحيين في بكركي في اربعاء ايوب؟
لقاء لا يعوِل عليه كثيرون حتى اللحظة، من دون ان يلغي ذلك الامل بصحوة تأخرت، علها تساهم في انقاذ ما تبقى، قبل فوات الاوان.
في عز الكباش بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة اخرى، وفي عز التطورات الاستراتيجية على صعيد العلاقات الخليجية الاميركية والخليجية الصينية، اعلن عدد من دول اوبك واوبك بلاس، وعلى رأسهم السعودية والامارات تخفيضا طوعيا في انتاج النفط، اعتبارا من أيار المقبل وحتى نهاية العام 2023، وكذلك فعلت روسيا.
قرار التخفيض جاء قبل ساعات من عقد لجنة الرقابة الوزارية لدول اوبك + اجتماعا غدا، وهو سيحمل تداعيات اقتصادية وسياسية، بعدما سبق وتسبب قرار مماثل في تشرين الاول الفائت، بخلق توتر كبير بين الولايات المتحدة والسعودية، اثر اتهام واشنطن الرياض بالدفع صوب التخفيض لاسباب سياسية الامر الذي نفته المملكة.
بعد هذا القرار، سيترقب العالم اسعار الاسواق غدا، اما لبنان، الذي لا موازنة فيه ولا استراتيجيات، فهو لم يسحم بعد موقفه من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وما زاد من الارباك، كلام رئيس كتلة الوفاء لمقاومة محمد رعد بالامس عن الاتفاق…
فهل قصد رعد الهجوم على الاتفاق منعا لاتمامه، ام قصد التوجه الى المرشح الرئاسي جهاد ازعور، ليقطع عليه طريق بعبدا، لا سيما وان حزب الله قال اكثر من مرة إنه لا يرفض الاتفاق، شرط الا يتعارض مع ما اسماه السيادة اللبنانية والمطالب الاجتماعية، طالما ان الكل يقر بأنه ممر الزامي للنهوض بلبنان.
قد يكون الاتفاق مع صندوق النقد، والقوانين الاصلاحية المرتبطة به، احدى الضمانات التي نُقلت عن لقاء باريس بين المرشح الرئاسي سليمان فرنجية والمستشار الفرنسي باتريك دوريل.
والفرضية هنا تجوز طالما ان صاحب الشأن اي فرنجية، والفرنسيين والسعوديين متكتمون عن تفاصيل اللقاء، فيما حزب الله لم يتبلغ حتى الساعة فحواه.
لقاء لا بد ان أسئلته نوقشت بين فرنجية والحزب قبل التوجه الى باريس, التي يبدو انها تعمل على وضع ارضية صلبة تستطيع من خلالها اقناع الرياض بالمرشح فرنجية، وقدرتَه على تقديم ضمانات، وذلك خلال الاجتماع الخماسي الذي بدأ الحضير له في الرياض.
الملفات الشائكة التي تدور حولنا، لم تمنع الاحتفال اليوم بعيد الشعانين، وكلمة هوشعنا ملأءت الدنيا، اما معناها: خلصنا يا رب، فيكاد يكون صلاةً تجمع اللبنانيين.
دبلوماسيةُ الهواتفِ النقالة فَتحت طريقَ الحرير السياسي على خطِّ الرياض-طِهران-دمشق.. وأعطت مواعيدَ للقاءاتٍ تَضعُ نِقاطَ الصين على حروفِ الدولِ المعنية/ فالاتصالُ الثالث بينَ وزيرِي خارجية إيران والسُعودية حسين أمير عبداللهيان وفيصل بن فرحان، عاينَ اللَمساتِ الأخيرة لموعدِ ومكانِ الاجتماعِ المرتقَب بينَهما/ ومعَ الابقاءِ على المكان طيَّ الكِتمان، فإنّ زيارةَ وزيرِ خارجيةِ السُعودية الى سوريا قد تمّ تحديدُ مكانِها وزمانِها.. وكَشفت وَكالةُ رويترز أن بن فرحان سيتوجّه الى دمشق في الأسابيعِ المقبلة، لتسليمِ الرئيسِ السوري بشار الأسد دعوةً رسمية لحضورِ القمّةِ العربية التي تستضيفُها المملكة في التاسع عشَر من ايار المقبل/ وحضورُ الاسد قمّةَ الرياض تمّ ايضاً بدفْعٍ روسي مِصري.. حيث كَثّفت القاهرة مساعِيَها واستقبلت السبت وزيرَ خارجيةِ سوريا فيصل المقداد للمرةِ الاولى منذُ اندلاعِ الحرب/ فيما تولّت موسكو إقناعَ الاسد في زيارتِه الاخيرة الى روسيا بأهميةِ الانفتاح على العرب وتُركيا، وعدمِ وضعِ شروطٍ مُسْبقة امامَ عودةِ العلاقات/ فأين موقعُ لبنان منَ الدبلوماسياتِ العابرة فوقَ الخِلافات؟/ البلدُ في نُقطةِ الرَمادِ العربي الخليجي الفارسي والدولي.. لكنّ استطلاعاً خليجياً ستَنطلِقُ مِلاحَتُه السياسية غداً بزيارةِ وزيرِ الدولة في وِزارةِ الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخْلِيفي إلى بيروت/ وهذه الزيارة كانت مُقرّرة الاسبوعَ الفائت لكنّها أُرجئت عَقِبَ اصدارِ أمير قطر أمراً بتعيينِ الخْلِيفي في مَنصِبِه، بعدما كانَ يَشغَلُ مَنصِبَ مُساعدِ وزيرِ الخارجية للشؤون الإقليمية/ وتحدثت المعلومات عن مساعٍ لانعقادِ الخُماسية العربية الدولية، لكنْ هذه المرة مرجَّحة في الرياض وليس في باريس/ ففرنسا التي أنْهكتْها معركةُ سِنِّ التقاعد في شوارعِها قد تَصِلُ الى سِنِّ التقاعد في الرئاسةِ اللبنانية، لكنها تَحتفظُ لها بدورٍ يُشبهُ حُصولَها لاحقاً على مناقصةِ البريدِ اللبناني/ فشركة Colis Privé France الفرنسية أو “الطرود الخاصة” التي تَقدّمت بعرضٍ وحيد للبريد، ربما كانت على صورةِ البريد الفرنسي السياسي الذي تَقدّمَ بمناقصةٍ رئاسية ستُقرِّرُ فيها هيئةُ الشراءِ العام في السُعودية/ وأبعدُ من ذلك فإنّ دورَ فرنسا يعودُ الى ازَماتِه وشوارعِه الغاضبة على ايمانويل ماكرون، وانفجارِ التضخم وزيادةِ الاسعار وتقنينِ الغاز والبترول بعدَ تأثُّرِ كلِ اوروبا بالحربِ الروسية الاوكرانية/ ورئيسُ فرنسا نفسُه قالَ لشعبِه إن عهدَ الرفاهية قد انتهى واستعدّوا لتقديمِ التضحيات/ فدورُ فرنسا اليوم هو إنقاذُ فرنسا.. أما لبنان فهو قالبٌ استثماري من المرفأ الى البريد والتنقيبِ البحري وغيرِها من المشاريع التي تَستلزِمُ استقراراً في هذا البلد ابتداءً من رئاسة الجمهورية.