/ خلود شحادة /
لم يكن في بال الرئيس نجيب ميقاتي أن يواجَه قرار إداري، بـ”السياسية” و”الطائفة”.
في واقع الأمر، أن ميقاتي كان حريصاً على مراعاة حليفه الرئيس نبيه بري وتلبية رغبته بتأجيل اعتماد التوقيت الصيفي إلى ما بعد شهر رمضان.
لكن، هل كان سياق ما حصل بالصدفة؟ وهل انتهى “زمن ميقاتي”؟ وهل يؤشر ذلك إلى طبخة تجري في الخفاء لتسوية تشمل رئاستي الجمهورية والحكومة، والرئيس بري شريك في تهيئة المسرح ووضع صيغة الإخراج المناسب لهذه التسوية؟
عملياً، تلقى الرئيس ميقاتي ضربة قوية وموجعة جداً في مواجهة لم تكن بالحسبان. نتائج جعلته “يلعن الساعة” التي أعلن فيها تأخير تقديم الساعة إلى ما بعد نهاية شهر رمضان، فظهر ضعيفاً مرتين، الأولى عندما نفّذ ما طلبه منه الرئيس بري فوراً، والثانية عندما أعلن العودة عن قراره.
كان ميقاتي بين “شاقوفين”:
الأول، رغبة بري بتأخير اعتماد التوقيت الصيفي، معطوفة على محاولة استرضاء الشارع السني في شهر رمضان.
الثاني، اعتراض الكنيسة، والقوى المسيحية، والعديد من المؤسسات الرسمية، منها وزارة التربية، بالإضافة الى معظم المؤسسات الإعلامية في لبنان على هذا الإجراء “غير المدروس”، والذي يؤثر إمّا على برامجها، وإما “يتعبها نفسياً”، لما اعتبروه “هيمنة” إسلامية على التوقيت المدني.
في الساعات الأولى لقرار عدم تأخير الساعة كان ميقاتي مزهواً بحالة التعاطف التي أبداها الشارع السني معه، مسجلاً تأييداً شعبياً قفز فوق النقمة التي تراكمت بفعل الإجراءات المالية والمعيشية القاسية التي اتخذتها حكومته.
وتبيّن أن النائب جبران باسيل و”التيار الوطني الحر”، والقوى السياسية المسيحية، قدموا للرئيس ميقاتي خدمة كبيرة بعد أن اتخذ الاعتراض منحى طائفياً واستدرج ردة فعل حول ميقاتي، مما دفع الشارع الإسلامي، وتحديداً السني، إلى الدفاع عن ميقاتي.
إلّا أن حجم الانقسام الذي أصاب البلد، وتمدده باتجاه مؤسسات رسمية وخاصة، ليعيش البلد بـ”توقيتين”: “صيفي ـ مسيحي” و”شتوي ـ إسلامي”، وضع ميقاتي في موقف حرج، حتى بدا أنه صار عنوان اشتباك مقيت يهدّد السلم الأهلي برمته، في الوقت الذي يقف الوضع الأمني على شفير الهاوية، وهذا ما يدركه ميقاتي جيداً، وحذّر منه مراراً.
انقسم البلد في شكل غير مسبوق، على “تفصيل” أصبح “قضية”.
نسي الناس أن الدولار تجاوز سقف المئة ألف ليرة وأن ثمن الأدوية يفوق قدرة المرضى وأن ثمن ربطة الخبز صار ثقيلاً على العائلات، وأن الشهر الفضيل قد أقبل وموائد الصائمين فارغة، وأن الفصح يقترب وأعلام الفرح عند المسيحيين منكّسة بفعل انعدام القدرة الشرائية، واستفحال الأزمة الاقتصادية. باتت “الساعة” محطّ اهتمام المواطنين والإعلام وكل القوى السياسية، وكأن اللبنانيين يعيشون حالة رفاهية تدفعهم للتفكير بتفاصيل “مرفّهة”.
هذا الانقسام، وضع ميقاتي في موقف صعب وحرج، خصوصاً بعد أن انزلقت الكنائس الى أتون “حرب الساعة”، مما أطلق في أذنيّ ميقاتي صافرة الإنذار: “احذر.. الشارع ينزلق إلى الفتنة!”
اضطر ميقاتي إلى التراجع.. وتلقّى خسارتين:
الأولى، معنوية، بهزيمة قاسية أمام جبران باسيل، بعد أن اعتقد أنه سجل هدفاً في مرماه.
الثانية، بخسارته حالة التعاطف في الشارع السني، بل وحالة الإحباط والنقمة التي تركها بعد تراجعه.
هل ما حصل بريء ومن دون خلفيات؟
هل الصدف اجتمعت جميعها منذ لحظة طلب الرئيس بري من ميقاتي تأخير تقديم الساعة، ثم بتسجيل هذا الطلب، ثم بتسريب غير بريء لمقطع الفيديو، ورد الفعل في الشارع المسيحي الذي تجاوز كل المحظورات على المستوى الوطني والمنطقي، حول سبب الانفعال والتهجم على القرار؟
ثمة من يقول إن ما حصل مدروس ومتعمّد، بهدف واحد: تمهيد الأرضية لعبور “تسوية” يبدو أنها بدأت تصاغ بأحرفها الأولى في الكواليس. ويبدو أن نجيب ميقاتي، كان أحد العقبات التي قد تؤخر قطار التسوية.. فدفع الثمن.
فكرة التسوية واحتمالاتها، قد تكون أقلعت مبدئياً في اللقاءات المكثفة التي جرت خلال أسبوع سبق قرار تأخير التوقيت الصيفي، وهو ما يطرح أسئلة حول ما حملته مساعدة وزير الخارجية الأميركية، بربارا لييف في جولتها اللبنانية، والتي كان اعتبرها ميقاتي زيارة “استطلاعية”، وكذلك في حركة السفير السعودي وليد البخاري باتجاه الرئيس بري، والتي جاءت في أعقاب اللقاء الثنائي السعودي ـ الفرنسي في باريس.
وهنا أيضاً ثمة من يعتقد أن لقاء باريس أنتج تفاهماً سرياً بين السعودية وفرنسا بشأن الملف اللبناني. في حين يعتقد آخرون أن اللقاء كان من دون نتيجة، وأن تسوية جرت على الخط السعودي ـ الأميركي هي التي تحركت، وتبلّغ بري بها، وأصبح معنياً بتهيئة الأرضية في لبنان أمام حيثيات التفاهم الذي اذا أكمل مساره فإنه سينتج رئيساً جديداً للجمهورية ورئيس حكومة، في وقت لا يبدو أنه بعيد، وبالتالي بداية حلحلة في الملف اللبناني وذوبان في ثلج العلاقات اللبنانية ـ الدولية.
وترجح بعض الأوساط، أن يبدأ العمل بتطبيق هذا التفاهم، بعد عيد الفطر.
وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، وتعود المؤسسات الرسمية إلى سكة العمل من جديد، سيبحث اللبنانيون عن “تفصيل” جديد يجعلون منه “قضية” ببعض التغريدات.. لكن، للترفيه لا أكثر!