هي غُرَّة رمضان تُطِلُ بالخير على عباد الله في أعظم شهوره.
ومن محاسنه أَنِ التقى جميع المسلمين على بدء شهر الصوم في يوم واحد ما يعزز أواصر الوحدة في ما بينهم.
في لبنان يَحِلُّ الشهر الكريم في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية خانقة من اكثر تجلياتها وجعاً أن وجبةَ إفطارٍ لعائلة من أربعةِ أشخاص تكلفْ حواليَ خمسة ملايين ليرة بحسب إحدى الدراسات.
معَ اطلالة شهر الصوم يتطلع اللبنانيون الى ان يحملَ معه نفحاتِ الخيرِ ليومياتهمِ المثقلةِ بالهموم وانفراجات على المستوى السياسي ولاسيما في ما يتعلقُ بالاستحقاق الرئاسي المتعثر منذ شهور.
هذا التعثر يستعينُ الرئيس نبيه بري للتعبير عنه بقول جرير في الفرزدق (أِبشِرْ بِطُولِ سلامةٍ يا مِرْبَع).
ويوضح أن أحداً من الأفرقاء المعنيين لا يقدمُ المخارج المؤدية إلى انتخاب رئيس ويكررُ ان المشكلة مارونية – مارونية وأنه يتطلع الى ما يمكنُ ان يصدُرَ عن بكركي.
ويتوقع الرئيس بري ان يرخي الاتفاقُ السعودي – الإيراني بظلاله على كل المنطقة/ ولبنان جزءٌ أساسي منها/ ويقول: إنها مسألةُ وقتٍ فاطمئنّوا…
الرئيس بري كان له اليوم لقاءٌ مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أعلن عن جلسة لمجلس الوزراء الأثنين المقبل لعرض الوضعين المالي والنقدي وعن تأجيل اجتماعِ هيئة مكتب مجلس النواب الذي كان مقرراً الإثنين أيضاً وذلك افساحاً في المجال امام دراسة المزيد من القوانين الجديدة في اللجان النيابية المشتركة.
على مستوى المنطقة أفيد عن موافقة سورية – سعودية على معاودةِ فتحِ سفارتيهما بعد انقطاعِ للعلاقة لأكثر من عشر سنوات.
لا تقدمَ في ايٍّ من مساراتِ هذا البلد، فلن يُغيِّرَ على المواطنِ شيئاً تأجيلُ الحكومةِ قرارَ تقديمِ الساعةِ عملاً بالتوقيتِ الصيفي الى ما بعدَ الشهرِ الكريمِ الذي يَحِلُّ في الزمنِ اللئيم ..
وبالرجاءِ الذي يحملُه هذا الشهرُ سيَحملُ اللبنانيونَ عزيمتَهم للصومِ في اصعبِ الاحوال، ولا يخففُ من وقعِها الا التكافلُ الذي تُحَفِّزُهُ هذه الايامُ الفضيلة، والعودةُ الى رحابِ التضرعِ لله عسى ان تكونَ الاستجابةُ فيَستفيقَ بعضُ المتحكمينَ بهذا البلد قبلَ فواتِ الاوان ..
وفيما الازمةُ السياسيةُ تناطحُ تلكَ الاقتصاديةَ في آن، دعا رئيسُ الحكومةِ الى عمليةِ طوارئَ سريعةٍ لانَ البلدَ لا يستطيعُ ان يستمرَ هكذا، معلناً من منبرِ عينِ التينة عن جلسةٍ حكوميةٍ مطلعَ الاسبوعِ المقبل، ومخاطباً المنتقدين: اذهبوا وانتخبوا رئيساً للجمهوريةِ كبدايةٍ الزاميةٍ للحل ..
ومعَ الحلولِ الممكنةِ التي تعززُها متغيراتُ المنطقة، كانت دعوةُ نائبِ الامينِ العامِّ لحزب الله الشيخ نعيم قاسم اللبنانيينَ الى اغتنامِ الفرصِ والتمردِ على الضغوطِ الاميركيةِ والاوروبيةِ والتوجهِ شرقاً اِن كهربائياً نحوَ الصين، او لحلِّ قضيةِ النازحينَ معَ سوريا ..
وعن سوريا وتطوراتِها اليومَ برزَ تناقلُ وكالاتِ الاعلامِ لخبرِ الاتفاقِ السوري السعودي على تبادلِ فتحِ السفاراتِ بعدَ قطيعةِ عقدٍ من الزمن. فهل يُسهِّلُ هذا على البعضِ العالقِ عندَ اعتباراتِه الخارجيةِ المعقدةِ واحقادِه الداخليةِ المرهقة؟
ومعَ الخطوةِ السعوديةِ السورية، خطوةٌ سعوديةٌ ايرانيةٌ مماثلةٌ أُعلنَ عنها خلالَ اتصالِ وزيرِ الخارجيةِ السعوديةِ فيصل بن فرحان بنظيرِه الايراني حسين امير عبد اللهيان ..
في باريس ونظيرتِها تل ابيب ضَجَّت الشوارعُ بالمتظاهرين، ونَقلت عدساتُ الكاميرات اشتباكاتِ الشرطةِ ومحاولاتِ القمعِ التي لن تقفَ عندَ حدودِ الخميسِ الاسودِ كما وصفَه الاعلام ..
تأخير التوقيت الصيفي.
موضوع إشكالي جديد، ينضم إلى عجائب المنظومة اللبنانية، التي لم تَعد تحصى أو تعد، وهو سيشغل الناس بطبيعة الحال عدة أيام، قبل أن ينضم سريعاً إلى ما سبقه من ملفات مفتوحة، وأسئلة بلا جواب.
وبعيداً من بعض المبالغات الرافضة للقرار، او المبررات المؤيدة له، يبقى ان خطوة من هذا النوع، على بساطتها من حيث الشكل، هي من حيث المضمون دليل دامغ إضافي الى تلاشي منطق الدولة، وتحلل المؤسسات، وانعدام صفة رجال الدولة عند كثيرين.
تأخير التوقيت الصيفي. الأساس ليس هنا.
فالأساس، تأخير التوقيت الرئاسي، في ضوء التمترس الواضح خلف مرشح الفرض سليمان فرنجية من جهة، ومرشح التحدي ميشال معوض من جهة أخرى، وإقفال كل طرق بعبدا حتى اللحظة أمام المرشحين الذين يحملون مشروعاً إنقاذياً جدياً، ينفع الناس.
والأساس، تأخير التوقيت التشريعي، والهرب المستمر من إقرار القوانين الضرورية والإصلاحية التي سئمنا تعدادَها، منذ اربع سنوات تقريباً، وهي في الأدراج.
والأساس، تأخير التوقيت الحكومي، بما يناسب نجيب ميقاتي وداعميه، حيث قرر هؤلاء مجتمعين اليوم ان يعقدوا جلسة ضحك جديدة على الناس الإثنين المقبل، يبحثون فيها في الوضعين المالي والمعيشي، وكأن بينهم من يصدق أن اجتماعاً حكومياً مناقضاً للميثاق وخارجاً على الدستور، يضم وزراء من صنف جورج كلاس ونجلا عساكر وجورج بوشكيان وآخرين، قادر على الحل والربط في ملفات من هذا النوع.
والأساس، تأخير التوقيت القضائي. فمسار العدالة في انفجار المرفأ متوقف لأسباب معروفة، والتحقيقات المحلية في ملفات رياض سلامة، لا يحركها الا تحرك القضاء الاوروبي. أما القوات اللبنانية، فتجد متسعاً من الوقت لعراضات نائبها زياد الحواط، الذي يحاول اليوم أن يقنع الرأي العام بأنه يحترم القضاء، فيما فريقه السياسي قدم أمثلة واضحة في السابق على العكس، علماً أن هذا الفرق يحمّل القاضية غادة عون، فقط لأن اسمها غادة عون، مسؤولية الانهيار، ويصدر يومياً الاحكام السياسية المخففة عن جميع المرتكبين الفعليين.
والأساس قبل كل شيء، تأخير التوقيت الشعبي. فأين الناس الذين تحركوا ضد سنتات الواتساب قبل اربع سنوات؟ ولماذا هم صامتون اليوم؟ سؤال كالسؤال عن التوقيت الصيفي، المرفق بتسريب متلفز لنبيه بري ونجيب ميقاتي، سينضم الى الملفات المفتوحة، وسيبقى حتى اشعار آخر، من دون جواب.
عندما يتّفق نبيه بري ونجيب ميقاتي يتوقف الزمن، وتَهرُب عقاربُه من لسعةٍ صيفية, ويعود رئيسُ الحكومة إلى أصلِ العائلة ومواقيتِها ليَستخدِمَها كصلاحيةٍ لمرةٍ واحدة في شهرِ رمضان طَلبَ رئيسُ المجلس.. فحَضرت مذكِّرةُ رئيسِ حكومةِ تصريفِ الاعمال.. وبسطرين اثنين جَمّدَ الرئيسان الساعةَ الشتوية.. فلَعِبا على شراءِ “ساعة زمن” ونصَبا كميناً لربّ العالمين في شهرٍ كريم والوِفْقُ في رمضان لا يَنسحبُ وِفاقاً في الصومِ السياسيّ الكبير، والذي يَعكِسُ سلبياتِه اقتصادياً ومالياً وأبرزُ تجلّياتِ سوءِ الادارة دوّنَها صُندوقُ النقدِ الدولي اليوم كشهادةِ إيداعٍ لدى الدولةِ اللبنانية المهترئة ذاتِ الاقتصادِ الكئيب وبشهادةِ الصندوق أنّ لبنان على لحظةٍ خَطِرة للغاية ومُفترَقِ طرق.. واستمرارُ تطبيقِ السياساتِ نفسِها سيَضعُ هذا البلدَ في أزْمةٍ لا تنتهي: حالةُ ركودٍ وتضخّم, انعدامُ ثقة في النظامِ المالي, تفاعلٌ معقّد لتعاميمِ المركزي, اقتصادٌ مكتئب لم تَلتزم السلطةُ اللبنانية بما وَعدت، وكان يمكنُ للبرلمان الاسراعُ في بعضِ القوانين كالكابيتال كونترو اما قانونُ السريةِ المصرِفية فلم يَرْقَ الى المستوى الذي أردناه كما يرى الصندوق، والذي حفّزَ على اعادةِ النظر فيه واقرارِ قانونِ اعادةِ هيكلةِ المصارف عاجلاً أم آجلاً واقتَرحَ صُندوق النقد مساراتٍ بديلة للاستقرارِ والنمو، وبينها استراتيجةٌ ماليةٌ متوسطةُ الأجل لاستعادةِ القدرة على تحمّلِ الديون، وهذا يتطلّبُ أولاً موازنةَ عام ألفين وثلاثةٍ وعشرين وعلى سعرِ صرفِ سوقٍ موحّد جمركياً وضرائبي اًحِزمةُ اصلاحاتٍ لا تزالُ على ورق، ويَدفع بها الصندوق الى الامام
لكنّ “الرعيان بوادي والقطعان بوادي”، حيث التداولُ النقدي لدى السلطة هو حالياً من فئةِ الورقةِ الرئاسية المختَلَفِ على سعرِها وسوقِها السوداء ولونِ عيونِ الدولة التي ترعاها
وحيثُ لا وفاقَ محلياً حتى على ورقةِ بكركي.. فإنّ الصلاةَ عن روحِ الرئيس في بيت عنيا الشهرَ المقبل، وبما أنها ستَجمعُ نواباً مقرِّرين، فإنّ الحلَ الأوحد المتاح هو اعتقالُهم وحجزُهم على ذمةِ التحقيق الى حينِ سوقِهم الى عمليةِ انتخابٍ جبرية.. وعندها يُحمّلُ المسيحيون نوابَ الثنائي والتيار مسؤوليةَ التعطيل إذا ما تغيّبوا عن تأمينِ النِصاب الكنسي.. وبخلافِ ذلك فإنّ الصلاة هي مناسبةُ تعطيلٍ جديدة بمرسوم ديني.