كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”: الإجازة الطويلة لانتخابات الرئاسة مستمرة برأس حربة هو الفيتوات المتبادلة. لم يعد اسم المرشح مهماً مقدار قوة الفيتو الذي يمنع وصوله في هذا الفريق أو ذاك. بذلك بات المغزى الوحيد لجلسة البرلمان – حتى تنعقد – تكريس المُنتخب لا انتخابه
العبارة المألوفة المسموعة في عين التينة أخيراً، فيها من التهكم ما فيها من الخيبة: «أبشر بطول سلامة يا مِرْبَع». بعدما قالها جرير في الفرزدق، يستعيدها رئيس البرلمان نبيه برّي في تعبير مباشر عن أمد لا ينتهي في مأزق الاستحقاق الرئاسي. الأبواب موصدة في ظل إصرار الأفرقاء الآخرين على إرسال الإشارة السلبية حيال مَن لا يريدونه، من دون إشارة إيجابية إلى مَن يُحضرونه إلى البرلمان لعقد جلسة الانتخاب. مآل الخيبة هذه أن لا جلسة ثانية عشرة وشيكة قبل أواخر نيسان المقبل بعد أن تحط الأعياد تباعاً. يلفت برّي في السجال الدائر من حول انتخابات الرئاسة إلى أن أحداً من الأفرقاء المعنيين لا يُقدّم المخارج المؤدية إلى انتخاب الرئيس.
يبدي رئيس المجلس بضعة انطباعات حيال المعطيات الحالية:
1 – يستعد لجلسة اشتراعية سيحدد موعدها الاثنين المقبل في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب. يقطع بحصولها لإقرار جدول أعمالها الملح وإن مالت كتل إلى مقاطعتها. ما يحتاج إليه انعقاد الجلسة هو نصاب الأكثرية المطلقة فقط (65 نائباً) لا يفتقر هؤلاء إلى الميثاقية كي تلتئم. بذلك يتوقّع جلسة بمَن حضر. في ذلك أيضاً رد مباشر لبرّي على إعلان الكتلتين المسيحيتين الكبريين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية – إلى الكتل المسيحية الصغيرة – مقاطعة أي جلسة لا تكون مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية. يفصل رئيس البرلمان بين الاستحقاقين المنفصلين المتوازيين على نحو لا يلغي أحدهما الآخر. مقدار حاجة جلسة انتخاب الرئيس إلى نصاب موصوف (86 نائباً على الأقل) لا يحققه سوى أوسع توافق داخلي، وهو ما حال حتى الجلسة الحادية عشرة في 19 كانون الثاني الفائت دون الانتخاب، يكتفي انعقاد الجلسة العادية بالنصاب العادي.
2 – خلافاً لما شاع عن الاجتماع الثنائي الفرنسي – السعودي في باريس نهاية الأسبوع الفائت أن تناقض موقفيْ الطرفين أطاح نتائج إيجابية محتملة، يقصر برّي ما انتهى إليه على «عدم تفاهمهما» دونما إضفاء مسحة تشاؤمية على الجهود المبذولة. طلبت السفيرة الفرنسية آن غريو مقابلته الجمعة المقبل في سياق اتصالات متواصلة بينه وبين الفرنسيين في محاولة لإيجاد ثغرة لإخراج انتخابات الرئاسة من انسدادها. مع أنه يتكتم على ما يدور بينه وبين الفرنسيين، وبعض الاتصالات الرفيعة المستوى، لم يرقَ أي من المعطيات إلى فرصة إيجابية للاتفاق على رئيس جديد.
3 – عندما يُسأل عمن يملك قوة كسر حلقة الجمود التي تقبض على الاستحقاق الرئاسي، يكتفي رئيس المجلس بالقول إنه يتطلع في الوقت الحاضر إلى ما يمكن أن يصدر عن بكركي، في تلميح إلى مبادرتها الأخيرة إيجاد مخرج للشغور الرئاسي في ضوء ما شاع أنها أعدت لائحة بأسماء مرشحين يؤمل اتفاق الأفرقاء المسيحيين على واحد منهم أو أكثر. عطف برّي على المبادرة تلك «يوم الصلاة» الذي دعا إليه البطريرك الماروني بشارة الراعي في 5 نيسان ويشارك فيه النواب المسيحيون.
يقول برّي: «سبق أن جمع البطريرك (28 آذار 2015) الأقطاب الموارنة الأربعة (أمين الجميّل وميشال عون وسليمان فرنجية وسمير جعجع) واتفقوا في ما بينهم في حضوره على أن يكون أحدهم رئيساً كون الأربعة الأكثر تمثيلاً في طائفتهم. الأربعة أنفسهم تقبّلوا بعضهم بعضاً. تعهّدوا الموافقة على انتخاب واحد من بينهم فيدعمه الآخرون، ولا يقف أحدهم عقبة في طريق انتخاب مَن يصير إلى التوافق عليه. في الحصيلة انتخب أحدهم الرئيس عون بعدما كان محتملاً قبله انتخاب سليمان فرنجية. انتهت انتخابات الرئاسة السنة التالية (2016) أن جيء بالرئيس من بين الأقطاب الأربعة. كانوا المشكلة وكانوا الحل. وجود بكركي بينهم قدّم الدليل على أن أحد أهم أسباب الخلاف على انتخابات الرئاسة يقيم عندهم. هذا ما يتكرر اليوم وتعود بكركي إلى الدور نفسه. قلنا في الأمس إن المشكلة مارونية فزعلوا منا. إذا قلناه اليوم يزعلون منا أيضاً. إلا أنها المعضلة الأولى».
عندما يطابق رئيس المجلس مشهد عام 2015 باليوم يؤكد مجدداً أن المشكلة المزمنة نفسها بين الموارنة. ما لم يجهروا به أمام البطريرك عامذاك برفع الفيتوات بعضهم في وجه بعض، أضحى اليوم السلاح الوحيد لعرقلة إجراء الانتخابات. ليس بين الأقطاب الحاليين سوى الرفض المتبادل وفيتوات المنع.