لليوم الثالث على التوالي، عاشت المؤسستان الأمنية والسياسية في إسرائيل حالة إرباك وترقّب، على خلفية “حدث أمني” في الشمال. انسحبت الحالة على كل المستويات الرسمية في الكيان، وكذلك على الإعلام، وأثارت هلَعاً كبيراً في أوساط المستوطنين. ورغم الرقابة التي فرضتها المؤسسة الأمنية على وسائل الإعلام لعدم نشر تفاصيل “الحدث الأمني” المزعوم، إلا أن وسائل الإعلام المختلفة، والسياسيين والمعلّقين، قالوا الكثير، وتطرّقوا إلى معظم جوانب الحدث، مع الإشارة دائماً إلى “الرقابة” المفروضة على نشر التفاصيل. “الحادث” الذي مهما جرى التداول حوله من إشاعات، كان واضحاً منذ اليوم الأول، أنه تفجير عبوة ناسفة على الطريق السريع رقم 65، وتحديداً عند مفترق بلدة مجدو جنوب شرقي مدينة حيفا. انفجرت العبوة، صباح الاثنين، على مسافة أمتار من سيارة كانت تعبر الطريق، طاولت شظايا العبوة السيارة، وأصابت سائقها بجروح. كذلك تضرّرت سيارة أخرى، لكن من دون إصابات. كل هذه المعلومات سرّبتها وسائل الإعلام.
ورغم الرقابة، شرعت في تحليل الحدث وأبعاده وتفاصيله التقنية. فأشارت إلى أن “شكل” العبوة مختلف عمّا تم الاعتياد عليه في الأراضي الفلسطينية، وهي “تشبه العبوات الجانبية التي كان يزرعها حزب الله في الحزام الأمني جنوب لبنان (قبل التحرير عام 2000)”. 24 ساعة مرّت، ووسائل الإعلام منشغلة في تحليل الحدث، في حين ترصّد المعلقون الإسرائيليون حَراك المسؤولين الأمنيين والسياسيين. ونشر هؤلاء أخباراً مكرّرة حول عقد وزير الأمن يوآف غالانت مشاورات أمنية مستمرة لثلاثة أيام. بمشاركة كل القادة العسكريين والأمنيين، قبل أن ينضم إليهم أمس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد تأجيل رحلته إلى ألمانيا بضع ساعات. ولم يكن ينقص المشهد الدرامي، سوى حملة “التشويق” التي قادتها المؤسسة الأمنية، إذ بدأت صباح أمس بالتلميح إلى أنها ستنشر خلال ساعات جزءاً من تفاصيل الحدث، وسرعان ما حدّدت توقيتاً دقيقاً للنشر.
السادسة مساء أمس، نُشر بيان مشترك، عن الجيش و”الشاباك” والشرطة، يؤكّد التسريبات السابقة، وأن الحدث هو تفجير مجدو، مع تأكيد أن قوات العدو حيّدت منفّذ العملية الذي أوقفته قوة من “اليمام” في سيارة في منطقة موشاف يعارا (خط 899)، لكنها قتلته لأنه “شكّل خطراً على الشاباك وقوات الجيش الإسرائيلي”. وأشار البيان إلى أن القوات عثرت بحوزة المنفّذ “على أسلحة وأحزمة ناسفة جاهزة للاستخدام وأشياء أخرى”، لافتة إلى أن التحقيق الأولي يظهر أنه “عبر على ما يبدو الأراضي اللبنانية إلى إسرائيل”. وخُتم البيان، بالإشارة إلى أن “الهجوم يخضع لتحقيق موسّع، يجري فيه التحقيق أيضاً في تورّط منظمة حزب الله”. بعد البيان، توسّع هامش النشر لدى وسائل الإعلام العبرية، ونقلت القناة 13 عن الجيش “أن الحظ فقط هو الذي حال دون وقوع كارثة كبيرة لأن المنفذ لو نجح في تفجير عبوة كليماغور (عبوة تلفزيونية بكرات حديدية كبيرة)، ضد حافلة جنود أو مدنيين لسقط العشرات”. إضافة إلى بث معلومات متضاربة حول هوية المقاوم وما إذا كان فلسطينياً أو لبنانياً.
وأشار موقع “واللا” إلى أن “الجيش طلب من المستوى السياسي الردّ على عملية مجدو، إلا أن نتنياهو ووزير أمنه غالانت، تجاهلا التوصية”. كما عبّرت جهات أمنية عن خشيتها من أن يكون “تقرّر ضبط النفس”، مشيرين إلى أن “ذلك سيشكل ضربة لقوة الردع الإسرائيلية”. وأكدت التقارير الإعلامية أن لدى المؤسسة الأمنية الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة، حول هوية المرسل والمنفّذ، وبالتالي على من ينبغي الردّ، وبأي مستوى، وفي أي ساحة؟