كتبت زكية الديراني في “الاخبار”: «السيناريو نفسه الذي أقدمت عليه قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية قبل عامين، وأسفر عن طرد مجموعة من موظفيها بذريعة كاذبة هي «معاداة السامية»، يتكرّر اليوم مع قناة «فرانس 24 الفرنسية». هذه الخلاصة يمكن الخروج منها في قضية المحطة الفرنسية التي تأسّست عام 2005، وبرهنت أن شعار «الحرية» الذي يرفعه الإعلام الغربي، مفصَّل على قياس مصالحه ونظرته إلى المنطقة وأولوياته.
قبل عامين تقريباً، قرّرت «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية، طرد مجموعة من العاملين بحجّة «معاداة السامية» من بينهم: مدير مكتب القناة في بيروت باسل العريضي، وداوود إبراهيم، ومرهف محمود، ومرام سالم (شحاتيت)، وفرح مرقة. أقدمت الشاشة الألمانية على الخطوة، بعدما نشرت صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» الألمانية (لاحقاً صحف ومجلات ألمانية) تقريراً ذكرت فيه أسماء موظفين دعموا بتغريداتهم أو مقالاتهم القديمة، القضية الفلسطينية، ووجّهوا انتقادات إلى الكيان الصهيوني. تلك الخطوة كانت أشبه بعملية تجسّس مخابراتية واضحة قامت بها الصحيفة على صفحات الموظفين الافتراضية، مستعملة تغريداتهم ضدّه.
ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الإعلام الغربي إلى كمّ الأفواه والانبطاح أمام العدو الإسرائيلي. قبل أربعة أعوام، طُردت الصحافية إميلي وايلدر من عملها في وكالة «أسوشييتد برس» على إثر انتقادها على صفحاتها على السوشل ميديا، طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيّين في حي الشيخ جرّاح في القدس.
أكمل الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية سياسة كمّ الأفواه وترهيب الإعلاميين العرب، وفسخت القناة الألمانية (WDR) عقدها مع الصحافية الألمانية الفلسطينية نعمة الحسن، بعدما «نبش» القائمون على التلفزيون صورة للصحافية خلال مشاركتها في تظاهرة مناصرة للقضية الفلسطينية عام 2014.
ومن ألمانيا إلى بلد فولتير، تحوّلت الأنظار أخيراً إلى قناة «فرانس 24» الناطقة بالعربية، التي أعلنت عن تجميد عملها مع أربعة من مراسليها العرب بحجة «معاداة السامية»، وهم: مراسلتهم في فلسطين ليلى عودة، واللبنانيان جويل مارون من بيروت، ودينا أبي صعب مراسلة «فرانس 24» من جنيف في سويسرا، وشريف بيبي الذي يتابع من فرنسا شؤون الهجرة واللجوء والقضايا الإنسانية.
بدأت قصة مراسلي «فرانس 24 الفرنسية» في نهاية الأسبوع الماضي، بعدما انتشر في الإعلام خبر تعليق الشبكة الإخبارية الفرنسية المملوكة للدولة عملها مع الموظفين، وفتح تحقيق في القضاء الفرنسي. البداية كانت مع نشر Camera التي تتخذ من أميركا مقرّاً لها وتعرّف عن نفسها بأنها «مؤسسة ترمي إلى تحرّي الدقة في أخبار الشرق الأوسط المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي» (راجع مقال الزميلة نادين كنعان)، تقريراً عن موظفين في القناة تتهمهم بـ«معادية السامية على وسائل التواصل الاجتماعي». وزعم مقال «كاميرا» الذي نُشر على موقعها أنّ «الصحافيين الأربعة فشلوا في الالتزام بميثاق «فرانس 24» الأخلاقي. ففي العديد من منشوراتهم الافتراضية، يمكن رؤية الصحافيين وهم يمتدحون هتلر، ويقلّلون من شأن الهولوكوست، ويمجّدون الإرهابيين المرتبطين بـ«حماس» الذين قتلوا وشوّهوا عشرات المدنيين اليهود».
في المقابل، بعث متحدّث باسم «فرانس 24» رسالة بالبريد الإلكتروني لـ CAMERA، قائلاً: «بعد نشر مقال على موقع CAMERA الإلكتروني، عن تورّط صحافي وثلاثة مراسلين ناطقين بالعربية في «فرانس 24» بشأن بعض الملاحظات التي يُزعم أنّها نُشرت على صفحاتهم الشخصية على السوشال ميديا، فإنّ الإدارة فتحت تحقيقاً داخلياً فوراً في الوقائع المزعومة». وتابع المتحدّث: «كإجراء احترازي، وفي انتظار النتائج، تم إعفاء الأشخاص الأربعة المعنيين من أي نشاط مهني».
التحقت ليلى عودة بالقناة الفرنسية في عام 2007، وكانت عرضة لاعتداءات المستوطنين عليها خلال تغطياتها المباشرة.
على الضفة نفسها، قام تقرير «كاميرا» بعملية تجسس واضحة على صفحات العاملين في القناة الفرنسية، بما يُعيد إلى الذاكرة التقارير التي استعملتها قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية ضد موظفيها. وعاد تقرير «كاميرا» إلى أرشيف تغريدات الموظفين، قبل أكثر من عشر سنوات، وتوقّف عند كل كلمة كتبها المراسل حتى قبل أن ينتسب إلى المحطة.
وجّه التقرير إلى المراسلة الفلسطينية ليلى عودة تهمة «التحريض ومعاداة السامية باستخدام مصطلحات مثل كلمة شهيد في إشارة إلى الشهداء الذين يقتلهم الاحتلال. كذلك استخدمت عبارة أراضي 1948 بدلاً من استخدام كلمة «إسرائيل» في إشارة إلى دولة الاحتلال». وهو ما تعتبره القناة مخالفاً لسياستها الإعلامية في التعامل مع الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. مع العلم أنه انطلقت حملة دعم للمراسلة التي بدأت العمل عام 1993 كمراسلة لتلفزيون «أبو ظبي». ولاحقاً في التلفزيون البحريني، لتعود ثانية إلى قناة «أبو ظبي»، قبل أن تلتحق عام 2007 بالقناة الفرنسية.
أما مراسلة بيروت جويل مارون التي انضمت إلى القناة قبل عامين، فقد لفت تقرير «كاميرا» إلى أنها كتبت قبل أكثر من عشر سنوات، تغريدات أعلنت فيها عن إعجابها بأدولف هتلر. ولفت التقرير إلى أنه «لا يقتصر شغف جويل بالإبادة الجماعية لليهود على السياق التاريخي، بل قدّمت نصيحتها العملية للفلسطينيين بأنّه على كل فلسطيني أن يقتل يهودياً واحداً وتغلق القضية» بناءً على تغريدات قديمة لمارون قبل أن تنضم كمراسلة إلى قناة «فرانس 24». مع العلم أن المراسلة لم تتعرّض لأي انتقاد على أدائها المهني طيلة فترة عملها في المحطة الفرنسية.
سيقدّم الموظفون شكاوى في القضاء الفرنسي لمتابعة الملف.
في المقابل، أشار التقرير إلى أنّ دينا أبي صعب التي تعمل مراسلة من جنيف منذ عام 2016 وتغطي القضايا المتعلقة بالأمم المتحدة، لفتت في تغريداتها إلى أنها «احتفلت على وسائل التواصل الاجتماعي بسقوط الصواريخ على السكان المدنيين في إسرائيل. وألقت اللوم على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل («فلسطين») باعتبارها مصدر كل المشاكل في الشرق الأوسط».
ولفتت المعلومات لـ«الأخبار» إلى أن دينا أبي صعب لم تكن حادّة بتغريداتها.
في المقابل، لفت تقرير «كاميرا» إلى أن منشورات شريف بيبي «تعكس بأنه غير منزعج بشكل مقلق بشأن مصير السكان اليهود في إسرائيل في حالة إبادة بلادهم، إذ غرّد «اسمعوا – اسمعوا – اسمعوا – من منظر دماء الشهداء – من جهود الثوار الحمر – سنقضي عليكِ، يا إسرائيل، من جذورك». وأشار التقرير إلى أنه خلال فترة عمله كموظف في «فرانس 24»، «نزع بيبي شرعية إسرائيل باعتبارها كياناً صهيونياً، وبالمثل تهرّب من ذكر اسم إسرائيل من خلال الاستشهاد بأفراد ومؤسسات صهيونية».
على الضفة نفسها، تلفت المعلومات لنا إلى أن «كاميرا» تقوم بمَهام تجسسية مخابراتية، ولديها مكاتب في مختلف الدول العربية والأجنبية. وتكشف المصادر أنّ المؤسسة نفسها، قدّمت قبل سنوات تقارير إلى قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية، حول مجموعة من الموظفين لديها بتهم «معاداة السامية». لكنّ القائمين على الشاشة الألمانية لم يلتفتوا يومها إلى تلك التقارير بحجة أن «كاميرا» ليست مصدر ثقة، قبل أن يتم تسريب أسماء مجموعة من الموظفين العرب بتهمة «معاداة السامية» إلى الإعلام الألماني، وعلى إثرها تمّ طردهم. وتلفت المصادر إلى أن موظفي «فرانس 24» سيقدمون شكاوى في القضاء الفرنسي لمتابعة الملف إلى نهايته، مشيرة إلى أنهم لن يتنازلوا عن حقوقهم في الدعوى ضد الشاشة على إثر التهم التي تواجههم والتي تعمل على تشويه سمعتهم، بحسب بعض المصادر.
باختصار، في الوقت الذي عاد فيه الفلسطيني زاهي علاوي إلى عمله أخيراً في قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية، بعدما ربح الدعوى في المحاكم الألمانية على إثر فصله من عمله بتهمة «معاداة السامية»، فتحت «فرانس 24» الملف في القضاء الفرنسي، فكيف سيتعاطى القضاء مع القضية التي تثبت أن الإعلام الغربي يتعرّى يوماً بعد يوم من شعارات حرية الرأي والتعبير والإعلام المزيّفة التي يرفعها وينادي بها؟