لا يمكنُ لأحدٍ التغافلُ عن واقعِ تـَحرُّكِ الاستحقاق الرئاسي من دون أن يعنيَ ذلك انه بـَلـَغَ بر الأمان.
فموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وضمّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله صوته إلى رئيس المجلس قد فعلا فعلهما وفتحا ثغرة جدية في الجدار المقفل فهل يتناغمُ الآخرون مع هذا التطور ويطرحون مرشحًا جديـًا أو أكثر فيصار إلى عقد جلسة إنتخابية يتنافس فيها المتنافسون؟.
غداة إطلاق طرفـّيْ الثنائي الوطني موقفهما الأخير أكد النائب طوني فرنجية الثقة في دعمهما الصادق كحليفين وفيين آملاً ان تعجل خطوتـُهما في الخروج من نفق الفراغ المظلم.
على خط التواصل الدبلوماسي برزت زيارة السفيرة الفرنسية (آن غريو) إلى عين التينة حيث اجتمعت مع الرئيس بري.
أما السفير السعودي (وليد بخاري) فقصد بكركي حيث التقى البطريرك الماروني بشارة الراعي واستخدم خلال الاجتماع تعبير (متفائل جدًا) بحسب ما اعلن المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غـيـّاض نافيـًا أن يكون بخاري قد نقل فيتو على أحد.
خارج لبنان استأنف المستوطنون إعتداءاتهم على الفلسطنيين في بلدة (حوارة) بالضفة الغربية بحماية من جيش الاحتلال/ فيما تتعاظم كرة ثلج الأزمة الداخلية في الكيان العبري.
فالانقسام يدق باب جيش الاحتلال ما دفع رئيس الكيان الاسرائيلي (اسحاق هرتزوغ) إلى القول إننا في أزمة تاريخية/ فيما كان (بنيامين نتنياهو) يبدي خشيته على وجود (إسرائيل).
الأزمة الداخلية لم تـَحـُلْ دون تنفيذ العدو الاسرائيلي عدوانـًا على مطار حلب الدولي ما أدى إلى خروجه عن الخدمة/ في وقت كانت تتدفق عبره المساعدات الإنسانية للمكنوبين من الزلزال الذي ضرب سوريا في السادس من شباط.
وقد حذرت دمشق الكيان الإسرائيلي من مغبة الاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم داعية المجتمع الدولي لوضع حد لها.
بوضوحِ الموقفِ وقوةِ البيان، حددَ الامينُ العامُّ لحزبِ الله سماحةُ السيد حسن نصر الله موقفَ الحزبِ على فالقِ الاستحقاقِ الرئاسي، وأكدَ للاصدقاءِ والخصوم، وللخارجِ كما الداخل، انَ قناعاتِ الحزبِ ليست للمزايداتِ ولا المساجلات، وانَ الاولويةَ الوطنيةَ هي المعيار..
حددَ السيد نصر الله دعمَ حزبِ الله للمرشحِ الطبيعي الوزيرِ السابق سليمان فرنجية لرئاسةِ الجمهورية، كموقفٍ واضحٍ وثابتٍ على طاولةِ الاستحقاقِ وكذلكَ فعلَ الرئيسُ نبيه بري قبلَ ايام، فهل يقفُ الآخرونَ عندَ جديةِ الثنائيّ ويَمضونَ لحوارٍ حقيقيٍ قد يحققُ اختراقاً لانقاذِ الرئاسةِ ومعها البلدُ وأهلُه؟
رمى السيدُ صخرةً في المياهِ السياسيةِ الساكنة، فتحركت الدبلوماسيةُ الـمُعْتَلَّةُ بحثاً عن لملمةِ خيباتِها المتناثرة، فأصابت السيادةَ بكَدَماتٍ بالغة، ونَزفَت عناوينُ الحيادِ والاستقلال .
وبصمتٍ اَربكَهُ الموقفُ الذي يعرفونَ انه ليس للمقايضةِ سيَغرَقُ الكثيرونَ قبلَ ان تعاودَ ابواقُهم ارتجالَ المواقفِ وتظهيرَ التعليمات..
وللعلمِ فانَ الوقتَ قاسٍ واوجاعَ الناسِ مطمورةٌ بالدولارِ الاسودِ والخططِ الماليةِ العشوائيةِ المتسللةِ الى كلِّ مفصلٍ من مفاصلِ المسؤولية..
في مفاصلِ المنطقةِ لا صوتَ يعلو فوقَ صيحاتِ جنين، حتى الطائراتُ الصهيونيةُ التي اصابت مطارَ حلب الدوليَ وعَطَّلتهُ عن استقبالِ المساعداتِ لمتضرري الزلزال .
فالزلزالُ الذي يُحدثُه مقاومو جنينَ ومعهم كلُّ فلسطينَ يهزُّ الكيانَ الواقفَ على شفا جُرُفٍ هارٍ، وسينهارُ بقادتِه ومستوطنيهِ الى الجحيمِ الذي يلهجُ به كلَّ يومٍ كبارُ قادتِهم السياسيين والعسكريين، ونخبةُ مفكريهم ومؤرِّخيهم ..
بعد تعثر التدقيق الجنائي إثر انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون الذي كان يطالب به شبهَ وحيد، تدقيقٌ من نوع آخر، هو التدقيق بالحسابات السياسية وحسابات الاكثرية والنصاب، يشغل الاوساط السياسية بمختلف تلاوينها هذه الأيام.
فبعد الموقفين الصريحين لكل من الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، صار يمكن اختصار المشهد الرئاسي على الشكل الآتي:
سليمان فرنجية مرشح حركة أمل وحزب الله وحلفائهما، غير قادر حتى اللحظة عن بلوغ اكثرية الخمسة وستين صوتاً ولا اكثرية الثلثين المطلوبة لتأمين النصاب، عدا عن أنه يفتقد إلى تأييد الغالبية الساحقة من النواب المسيحيين.
ميشال معوض مرشح القوات اللبنانية والكتائب وحلفائهما، فضلاً عن وليد جنبلاط، عاجز بعد إحدى عشرة جلسة رئاسية، عن بلوغ الاكثرية المطلقة، ناهيك عن موضوع النصاب، علماً أن المكون الشيعي بجميع نوابه من دون اي استثناء يرفض انتخابه.
اما التيار الوطني الحر، فيلتزم مواقفه المعروفة، المطالب باعتماد اولويات رئاسية للإنقاذ، يتوجُ التفاهمَ عليها رئيس للجمهورية، ينتخب على اساس الميثاق والشراكة الفعليتين لا الشكليتين، وهذه النقطة بالذات تشكل اليوم جوهر الخلاف بين التيار وحزب الله.
وفي انتظار تحولات سياسية تقلب مشهد السياسة والارقام، قراءات وتحليلات، أكثرُها لا يصح، ذلك أن اصحاب القرار النهائي لم يقولوا كلمتَهم بعد، ولا يزالون في طور الاستطلاع، فيما الشعب يعاني، والاقتصاد ينهار، والوضع المالي من سيء الى اسوأ، ومن آخر تداعياته، كارثة صحية جديدة على مرضى غسيل الكلى.
مرة جديدة تمشي فلسطين الى دمائها وحدها ويدافع شبانها عن مخيماتهم ويسقطون شهداء أمام بوابات منازلهم من دون أن يلاقيهم صوت عربي يرفع قضيتهم الى المحافل الدولية والمحاكم الجنائية/ فإسرائيل التي تآكل بعضها أفرغت داخلها المأزوم على الفلسطينيين، من نابلس الى جنين واقتحمت قواتها الخاصة المخيمات التي دافعت عن أسوارها.. لكن الهجوم أسفر عن شهداء، بينهم منفذ عملية حوارة اقتحامات لنابلس وجنين والمسجد الأقصى.. وتدمير منازل في القدس.. وتوسيع عمليات الاستيطان بقرار رسمي.. واعتقالات وقتل للفلسطينيين.. وكل ذلك موصول بنوايا العدو الدفينة والتي خرجت الى العلن بتصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش دعا فيه إلى “محو” قرية حوارة الفلسطينية وانعدام الانسانية هذا لم تجد فيه الولايات المتحدة سوى أنها مواقف مثيرة للاشمئزاز لكن البيت الابيض والخارجية الاميركية وادارة بايدن تكتفي بالبيانات حتى لا يطالبها احد بالعقوبات اما الامم المتحدة فلم تغير من قلقها.. وأعربت عن خشيتها من التحريض على العنف في وقت يسمع دوي صمت الجامعة العربية التي تمثل دور الساكت عن الحق والشيطان الأخرس معا لفلسطين شعب يحميها وقوة تستمدها من شباب لا يكل.. وتعرف أن عدوها لا يهاب الإ القوة ومثالها في جنوب لبنان صورة ضابط في الجيش يأمر جنودا إسرائيليين بالتراجع ما وراء الخط الازرق.. فيتراجعون ولا يتخذون وضعية القتال صمود الجبهة عسكريا يلاقيه تصدع الجبهات داخليا.. سواء في الرئاسة أو شوارع من نار اقتصاديا ومعيشيا وقد تفاقم المشهد تعقيدا على الرغم من كشف اوراقه الرئاسية والاعلان عن اسم سليمان فرنجية مرشحا يدعمه حزب الله “واشتدي أزمة لا تنفرجي” بفرنجية.. لكون الثنائي الشيعي لم يؤمن له الحاصل الرئاسي الأول بنصاب الثلثين، ولا هو وصل الى العتبة الرئاسية بالانتخاب والبالغة خمسة وستين نائبا ومع اغلاق حزب الله الابواب على “الخطة باء” والمرشح البديل.. فإن اسم سليمان فرنجية سوف يعيش في كنف الترشيح أعواما طويلة من دون بلوغ بعبدا “والحال من بعضه” لدى ترشيح المعارضة واسم ميشال معوض وحيث لا مرشح ثالثا بين هذين الخيارين مرحليا.. فإن الفرصة أتيحت لتحرك الدبلوماسية السعودية وتحريك ساكن من اثنين وقد بدأ السفير وليد البخاري رمي الجمرات الرئاسية مفتتحا من الصرح البطريركي خطا سيقوده الى عدد من المرجعيات وبحسب ما نقل المستشار الإعلامي لبكركي وليد غياض أن المملكة لا تتدخل في الأسماء، وليست لديها شخصية معينة ولا تدعم أحدا، بل تدعم مواصفات رئيس إنقاذي غير منغمس أو متورط في قضايا فساد مالي وسياسي وبالمفهوم الملكي لن تنبطق هذه المواصفات على سليمان فرنجية ..وبالترجمة الى اللبناني فإن البخاري كمن يردد ” خيطوا بغير هالمسلة “، اما التقاء الساكنين .. ففي لبنان لا ساكن ولا اثنان.. هناك فقط خطان متوازيان لا يلتقيان.. وخط الرئاسة طويل الامد.