/ خلود شحادة /
قبل عام، اهتز لبنان على وقع مذبحة مروعة، راح ضحيتها أم وبناتها الثلاث إحداهن قاصر، في بلدة أنصار جنوب لبنان، حيث عثر على جثثهن داخل مغارة، بعد اختفائهن لأكثر من 23 يوماً.
ضحايا جريمة أنصار هنّ: الأم وتدعى باسمة عباس، وبناتها: منال وريما وتالا صفاوي.
أما مرتكب جريمة أنصار فهو أحد أبناء البلدة ويدعى حسين فياض (36 عاما).
وأفضت التحقيقات مع مرتكب جريمة أنصار الى اعترافه انه قام بعملية الخطف بمشاركة سوري يُدعى حسن الغناش.
واعترف المتهم بأنهما نقلا الفتيات المخطوفات ووالدتهن الى مغارة تقع في خراج البلدة المذكورة حيث تمت جريمة قتلهن.
مماطلة وتسويف حصلت، وحالت دون البت بالقضية، واطلاق الحكم العادل بحق قاتل اعترف بجريمته.
مرة يتم تأجيل المحاكمة بسبب غياب القاضي، وأخرى للاطلاع أكثر على تفاصيل الجريمة.
أما اليوم، وبالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للجريمة، يطلب القاضي معالجاً نفسياً للجاني، للتأكد من صحته العقلية، ومعرفة الدوافع النفسية للمرتكب.
طبعاً، وكما في الأفلام والمسلسلات ذات الاخراج اللبناني، فإن النهاية ستكون أن الجاني يعاني من اضطرابات عقلية، دفعته لارتكاب جريمته، وبالتالي يحوّل الى مصحّ عقلي، وتقفل القضية.
قد يكون مريضاً نفسياً، ولا تفسير لما فعله الّا ذلك أصلاً، فكيف يمكن لشخص أن يرتكب جريمة بكل هذه الوحشية، اذا كان طبيعياً. لكنه ارتكبها، وعاش حياته 23 يوماً بشكل طبيعي، يتنقل بين الناس كقنبلة موقوتة، يمكن أن تؤذي أي شخص آخر لدوافع مختلفة.
ليس دور القضاء اليوم، بعد انقضاء عام على الجريمة، الخوض في طفولة هذا الفرد، ولا بمشاعره الجياشة التي دفعته للقتل. دور القضاء اليوم “تبريد” قلب الأب المفجوع، والعائلة المنكوبة، وكل ما هو دون ذلك سيكون الحكم شراكة بالجريمة لكن بفارق بسيط أن من يصدره هو “بكامل قواه العقلية”.
والد الضحايا الأربعة، ما زال يرفع الصوت عالياً، كذلك سكان بلدة أنصار، الذين يطالبون بانزال أشد العقوبات بحق المرتكب، والعديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بدأوا بحملة ضغط على القضاء اللبناني في سبيل تسريع عملية الحكم على القاتل المعترف بجريمته.
قد يتأخر الحكم في قضية ما نظراً لعدم اكتمال الأدلّة، لكن أن يتم التسويف لمدة عام كامل، رغم اكتمال الأدلة والقاء القبض على الجاني والمساعد، بجريمة قتل عمد، وعن سبق اصرار وترصد، فهذا لا يحصل الا في “العصفورية اللبنانية”.
تقول الحكايه ان شارل ديغول، حين دخل باريس بعد تحرير بلاده من الغزو الالماني، سأل سؤاله الشهير: هل القضاء بخير؟ فقالوا له نعم.. فقال مقولته الأشهر “اذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير.. فهو الدعامة الأساسيه للنهوض بالدولة”.
رئيس الوزراء البريطاني وقت الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل، سأل مستشاريه عن حال القضاء في بلاده بعد أن وصل الاقتصاد الي الحضيض نتيجه الحرب، فأجابوه انه بخير.. فقال مقولته المشهوره أيضًا “طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير”.
ولكن في لبنان اليوم، الاقتصاد منهار، المدارس مقفلة والتعليم آخر أولويات السلطة، الأمن في مهب الريح، فماذا عن القضاء؟
موقوفون كثر بلا تحقيق، منهم من تجاوز فترة محكوميته أساساً بحسب الجنح المرتكبة.
سجون مكتظة من دون أي تأهيل، يدخل إليها الشخص بتهمة ارتكاب جنحة، ويخرج منها مشروع مجرم.
قضاء غب الطلب، يحكم بما يروق له، يقفل أبواب قصور العدل للمطالبة بحقوقه، أما حقوق الناس المسلوبة، فهي بالنسبة لهم ليست أولوية.
وبما أن العلم والقضاء في لبنان ينازعان سكرات الموت.. فالخوف أن يكون على الوطن السلام!