كلمات مخنوقة عن وطن “معتقل”!

/ سوسن صفا /

أحاول الكتابة عبثاً، كمن يبحث عن قطرة ماء في نهر جاف!

هي الحياة، تقرر أن تعاكسنا، أو تعاقبنا في لحظة ما، وكأنها تتآمر مع القدر لتذكرنا بأننا جبناء!

أبواب مقفلة، مفاتيحها لم تعد صالحة للاستعمال، ومنازل هجرها أصحابها بحثاً عن “وطن بديل”.

مقهورون نحن في أوطاننا.. بل مشردون.. نبحث عن أحلام سُرقت.. وغد ضائع…

نفتش عن لحظة حياة في وطن لم يعد صالحا للحياة…

أترانا شعوب لا تستحق الحياة؟

أم أننا شعوب لا تمتلك أوطاناً؟

أم أننا اموات أحياء؟

في أوطاننا يطلع النهار منهكاً.. متعباً.. ومثقلاً بخيبات الأمس.. يُراكم حرمان حاضر مظلم ويقفل على ليل حالك لا مكان للضوء فيه، وكأنه يقول لنا: استيقظوا.. غداً لن يكون أجمل…

ضائعون نحن.. هائمون.. غارقون في “قعورنا” الطائفية المقيتة، مستقرّون في “معتقلاتنا” المذهبية…

جاهلون نحن.. ننتظر إشارة أو تأشيرة سفر.. أو حدثاً في أقاصي العالم، لنبني عليه وهماً جديداً، أو رهاناً خاطئاً.. كما في كل مرة!

بؤساء نحن في ماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا…

تحوّلنا إلى متسولين على أعتاب المصالح العالمية.

أتقنّا لعبة الانقسام في كل الاتجاهات العمودية والأفقية،

واتخذنا من كل دولة غطاء، ونسينا كيفية التحاف الوطن…

حتى الدماء فشلت في توحيدنا!

أصبح لكل واحد منّا وطن، وحدود، واتجاه ريح…

بات الشهيد قتيلاً والقتيل شهيداً…

فاشلون نحن. لم نحترف الانتماء، ولا بناء الأوطان…

مزّقنا الهوية، وطعنّا الوطن، واختبأنا تحت عناوين “الحقوق”…

أضعنا البوصلة.. وانقسمنا على العدو!

غلبتنا مصالحنا الضيقة، وطغت “الأنا” فينا على كل ما عداها.

عمتنا أحقادنا، ودمّرتنا عنصريتنا، وارتضينا أن نكون أحجاراً تحركها الأصابع الخارجية، والأيادي الخارجية… والمصالح المتوحشة…

“عدادات” نحن… نُحصي حروبنا وصراعاتنا وانقساماتنا… نختلف على عدد ضحايانا، و”شهدائنا”.

نختبئ وراء معادلة المحاصصة و”الديمقراطية التوافقية”، وغيرها من العناوين التي اخترعناها وصدّقناها!

نعد أيامنا الماضية وهزاتنا الحاضرة وننتظر موتنا القادم،

من دون ان نثأر لطفولتنا الضائعة وأحلامنا الممنوعة…

في أوطاننا صخور هرمة، وأشجار بلا ثمر، وفيها مياه آسنة وهواء ملوث…

في أوطاننا كلمات مخنوقة، وأوجاع صامتة…

في أوطاننا أبوّة مفقودة، وأمومة منقوصة…

في أوطاننا حرية مزيفة، وحقوق مهدورة…

نحن نكتب كل يوم عناوين فصفاضة، وشعارات بالية، لا ننتصر فيها، وإنما ننتحر حتى يضجر الموت منّا…