/ مرسال الترس /
بين مقرّ إقامة الرئيس نجيب ميقاتي في بيروت، ودارته في ميناء طرابلس، مروراً بالسراي الحكومي، يتردد حديث هامس عن نيّة رئيس حكومة تصريف الأعمال بالاعتكاف، لأن ما آلت إليه التعقيدات السياسية والمناكفات مع بعض القوى السياسية، لم يعد باستطاعة ميقاتي تحملها، وسيتمثّل على ما يبدو بالرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي اعتكف عن ممارسة الحكم لمدة ستة أشهر، في أواخر ستينات القرن الماضي، واعتُبرت الفترة الأطول بالإعتكافات التي مارسها رؤساء حكومات في فترات متقطعة منذ الاستقلال في العام 1943.
ولكن ما يحمل علامات الاستغراب أن كرامي، وسواه من الرؤساء الذين سجلوا فترات اعتكاف عن الحكم، كانوا يلجأون إلى هذا الإجراء كحالات اعتراض على تداخل الصلاحيات مع رؤساء جمهورية يمارسون السلطة (الرئيس شارل حلو في فترة اعتكاف كرامي)، ولكن على من سيلقي ميقاتي تسيير أمور اللبنانيين الغارقين في لُجج الأزمات حتى آذانهم، وهم الذين يعيشون الفراغ في كرسي الرئاسة الأولى منذ خمسة أشهر؟
البعض يجزم أن ميقاتي لن يلجأ إلى مثل هذه الفكرة، فهو يستمتع بالسلطة، وإنما هذا التلويح هو من باب المناورة والابتزاز الذي يمارسه ميقاتي. والمقرّبين من رئيس الحكومة يؤكّدون أن الفكرة مطروحة للنقاش، وليس هناك قرار بشأنها، سلباً أو إيجاباً.
ما الذي دفع بميقاتي الى أخذ التفكير بهذا الطرح، رغم خطورتها على ما يعانيه أبناء الوطن منذ بضع سنوات؟
مصادر قريبة من الرئيس ميقاتي أوردت لموقع “الجريدة” بعض تلك الأسباب، وتضمنت التالي:
* لمس الرجل أن بعض العواصم العربية، ومنها الرياض، غير متحمسة لدعم بقائه في السلطة، وبخاصة مع رئيس الجمهورية الجديد المنوي انتخابه لاحقاً، لأن أداءه لم يكن بالمستوى الذي تطلّبته تداعيات المرحلة الماضية.
* الرجل على قناعة تامة أنه يقوم بـ”عمل وطني” من خلال ممارسته للسلطة في الفراغ الحاصل في سدة رئاسة الجمهورية، ولا يشعر أن أحداً من أفرقاء الحكم يقدّر ذلك، لا بل إنه يتعرض باستمرار لانتقادات حادة، وتوجه إليه اتهامات تصل أحياناً إلى حدود التشكيك المفرط.
* طالما رفع الرجل منذ سنوات شعار الوسطية، إلى أن أتت “النتعة” بينه وبين البطريركية المارونية في بكركي حول ممارسة السلطة في غياب رئيس للجمهورية، لتفقده سنداً لافتاً لم يستطع تحمله، لأنه لم يجد موقعاً على هذا المستوى يسد الثغرة التي أحدثها الابتعاد بين الطرفين.
* وجد الرجل نفسه يشهد على انهيار العملة الوطنية بشكل لا مثيل له، وهو ابن مدينة تصنّف الأفقر على المتوسط، فإذا فكّر بعض اللبنانيين في إيجاد المبررات لأدائه في السلطة، فبالتأكيد مدينته لن تفعل ذلك مطلقاً.
* لا يشاء أن ينهي حياته السياسية بهذا الكم من التصارع مع أكثر من فريق على الساحة اللبنانية، وهو الذي حافظ، منذ دخوله الى المعترك السياسي في العام 1998 آتياً من عالم المال والاعمال، على “السير بين النقاط” كي لا يستجلب عداوة من أحد، فلماذا سيفعلها الآن؟