كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”: وأخيراً خرج «حزب الله» عن صمته بخصوص تفاهمه مع «التيار الوطني الحر» ووصف بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله حقيقة واقع التفاهم وحقيقة العلاقة مع «التيار». قال السيد صراحة إن التفاهم «في وضع حرج «. وسلّم بأن خللاً ما يشوب التفاهم مع الحليف المسيحي ما يعني دخوله العناية المركزة، وهي الحقيقة التي سلم بها الطرفان، وإن كانت تنذر بما هو أصعب، أو أنها بمثابة جرس إنذار لتفاهم ينازع من أجل البقاء والإستمرارية، أو أنه يحتضر أو أنه في «الهزيع الأخير».
فالحزب الذي لطالما استعان على خلافه مع «التيار» بالكتمان وكان صاحب نظرية أن الملاحظات تناقش في المجالس الضيقة وخلف الكواليس، جاهر للمرة الأولى بتوصيف وضعية التفاهم، ولو استتبع العبارة بالقول «نأمل الحفاظ عليه من أجل المصلحة الوطنية»، وهو قول حمّال أوجه، إذ يمكن أن يُفهم وكأنّه بمثابة تنبيه للحليف بأنّ «حزب الله» حريص على التفاهم الذي يصب في مصلحة البلد، لكن إن أراد الطرف الثاني الخروج منه فلا حول ولا قوة حينذاك. لكن وجهة نظر أخرى تجد في تلك العبارة تأكيداً من السيد أنّ التفاهم وأياً كان وضعه فلا بد من الحفاظ عليه وقد خرج من كونه إتفاقاً بين طرفين إلى حيز المصلحة الوطنية ما يفرض التمسك باستمراره.
ويأتي كلام السيد نصر الله بعد زيارة تبادل العتب والمصارحة لوفد «حزب الله» إلى ميرنا الشالوحي والتي وإن كانت انتهت بإيجابية لكنها لم تلغ الخلاف في وجهات النظر بين الفريقين حول نقطة مركزية وهي ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وفي أعقاب زيارة كتلة «الوفاء للمقاومة» برئاسة النائب محمد رعد لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون والتي لم تخرج عن مضمون لقاء ميرنا الشالوحي وإن بوتيرة أخف وأكثر هدوءاً. منذ فاتح الأمين العام لـ»حزب الله» رئيس «التيار» بهذا الترشيح توسّعت رقعة الخلاف بينهما تحت عناوين مختلفة. لم يستوعب «التيار» تمسك «حزب الله» بمرشحه الماروني في استحقاق مسيحي يظهر وكأنه محاولة لتطويق إرادة المسيحيين. كان يفترض من وجهة نظره طرح أسماء المرشحين على سبيل النقاش وليس فرض اسم مرشح والتمسك به والإقتراع بورقة بيضاء طالما لم تتأمن له نسبة الأصوات التي تؤهله للفوز… وأن «حزب الله» ورغم إدراكه بصعوبة حظوظ فرنجية بالفوز إلا أنه يستمر بالتمسك بترشيحه من دون الوقوف على رأي الغالبية المسيحية.
في العمق لا يلاقي «التيار» حليفه الى الإعتبارات التي تجعله يتمسك بترشيح فرنجية وهو كان سباقاً إلى توصيف وضعية التفاهم يوم قال باسيل في إطلالته الأخيرة إنّ التفاهم مع «حزب الله» واقف على ثلاث ركائز، فإن اهتزت ركيزتان منه كان استمراره محالاً. وإذا كان «حزب الله» مدركاً لحراجة وضع التفاهم فما الذي فعله للحفاظ عليه وتحصينه أبعد من إرسال رسائل عبر وسائط متعددة بأنه لا يزال ينتظر من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تسمية مرشحيه لرئاسة الجمهورية لبدء النقاش بشأنها.
سبق ونبّه «التيار» إلى ضرورة تلافي الإنهيار الذي وصل اليه البلد، وطالب «حزب الله» بالإتفاق على رئيس جمهورية ببرنامج عمل محدد وتشكيل حكومة بما يعيد تركيب البلد بطريقة مختلفة للسنوات المقبلة ورغم ذلك يتمسك بمرشحه وليس مستعداً للتراجع وهو المدرك أن معركته خاسرة. في تحليل «التيار» فإنّ وضعية التفاهم الحرجة لا تعني الذهاب نحو حرب مع «حزب الله».
يدرك «حزب الله» أنّ سبب الخلاف مع «التيار» هو الملف الرئاسي وليس التفاهم بحد ذاته. بطبيعة الحال لن يرضى «الحزب» أن يكون في موقع التابع للحليف أياً كان موقعه. بات واضحاً لديه أنّ «التيار الوطني الحر» يربط التفاهم معه بموقفه من رئاسة الجمهورية، وهو كان عاتب في موضوع جلسات الحكومة وعارض مؤخراً عقد جلسة تشريعية وكأنه يريد لـ»حزب الله» ملاقاته إلى مواقفه وتفهم إعتباراته الى حد السير بها من دون نقاش مسبق وهذا غير ممكن.
تفسر مصادر مطلعة على موقف «حزب الله»، «أن تفاهم مار مخايل صار في الهزيع الأخير. واضح أنّ السبب الفعلي هو رئاسة الجمهورية وليس التفاهم نفسه ولا الحاجة إلى تطويره وفق ما سبق وقال التيار، ولا المشاركة في الحكومة ولا الجلسة التشريعية التي كان باسيل سيشارك فيها».
كان واضحاً من الإتصالات التي جرت في الآونة الأخيرة بين الطرفين أنّ الأمور بينهما لم تعد سالكة وكان «التيار» يركز على سؤال واحد: هل غيرتم رأيكم من ترشيح سليمان فرنجية والذي يصر «حزب الله» عليه لا سيما بعد فشل الإجتماع الخماسي في باريس، وهو يؤكد كما قال أمينه العام على لبنانية الإستحقاق ورفض فرض مرشحين من الخارج.
بكلام السيد نصر الله تكون علاقة عمرها 17 عاماً قد انتهت… فهل سيحافظان على علاقة صداقة تجمعهما أو يصبح عملهما على القطعة؟
الواضح والمؤكد أن التفاهم بات من وجهة نظر «حزب الله»، «يحتاج الى معجزة ونحن لم نعد في زمن المعجزات ووضع البلد مأزوم من الناحيتين السياسية والإقتصادية». يدرك «حزب الله» صعوبة إنتخاب سليمان فرنجية رئيساً من دون وجود تكتل باسيل النيابي ولكن كيف سيدير معركة الرئاسة من دونه فهذا شأن آخر ولا علاقة له بالتفاهم. يعود «حزب الله» الى الماضي ليقول على لسان مصادر مقربة «يوم تبنى ترشيح ميشال عون لم يكن معه أي حليف، حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري عارضه ومع ذلك أصر على خوض معركته والإلتزام بتعهده وكما سبق وخاض معركة عون سيخوض معركة فرنجية».
بخلفية ما قاله أعلن السيد نصر الله يأسه من رأب الصدع في العلاقة مع «التيار» لكن هذا لا يغني عن تنظيم العلاقة المستقبلية بينه و»التيار» وليس الطلاق فإن لم تكن علاقتهما إيجابية فلن تكون سلبية بالمطلق.