/ جورج علم /
ليس القطاع المصرفي بخير. هناك أكثر من علّة وسبب. ويستطيع كل خبير مالي ـ إقتصادي أن يقدّم مقاربة معزّزة بحجج، ووقائع، مع خلاصات تكاد أن تكون متقاربة: “المعالجات ممكنة، لكنّها غير متوافرة”.
السؤال: متى تتوافر؟
هناك “البعد الثالث”. أو البعد الخارجي الذي قد تعود اليه “الكلمة الفصل”. في بيروت اليوم حركة غير طبيعة، محورها مال، وإقتصاد، وأبطالها خبراء من جنسيات أوروبيّة، وخليجيّة، مكلفون بإجراء مسح شامل، يكشف الثغرات، والفجوات المعززة بالوثائق، والأرقام، من دون وعود، أو التزامات.
وفي كل مرّة تزور فيها بعثة من صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، لبنان، يكون بالمقابل فريق من الخبراء يتابع، ويلاحق طبيعة النشاطات، لينقل إلى مرجعياته حقيقة ما يجري. وفي الحسابات المتداولة، أن هناك ما يمكن وصفه بـ”التنافس الحاد” بين صنوق النقد، وبعض “المجموعات الماليّة الخليجيّة” حول “سوق الإستثمار في القطاع المالي ـ المصرفي”، واستطراداً، سائر “القطاعات الإنتاجيّة”، وإن الغلبة لا تزال، لغاية الآن، تصبّ لمصلحة “المجموعات”، وخير دليل التقاعس المحلي، وعدم القدرة على الوفاء بكامل شروط ومتطلبات صندوق النقد، لكي يبادر، ويموّل. وهناك شكوك حول خلفيات هذا التقاعس، أو المماطلة الحاصلة، وهل هي فعلاً من نوع “صنع في لبنان”، أم من نوع “صنع في الخارج، ويسوّق في لبنان”، كي تتاح الفرصة أمام الطامحين للتدخل في الوقت المناسب، وعرض الخطط البديلة المنافسة لصندوق النقد، وشروطه؟!
وبعد اللقاء الخماسي في باريس، حول لبنان، وفي ظلّ إضراب المصارف، سرّب كلام من كواليس دبلوماسيّة عن “هولدينغ” مالي خليجي، مدعوم أميركيّاً وفرنسيّاً وأوروبيّاً، للإمساك بالقطاع المصرفي، مع بدء مرحلة إعادة الهيكلة، وسيكون لدولة خليجيّة دور بارز على هذا الصعيد، وقد بدأت تدرس جديّاً ملف المصارف المتعثّرة، بهدف شرائها، أو الدخول كشريك مموّل، ومنقذ، مع حصص وازنة من الأسهم.
وتأتي هذه الخطوة ـ في حال حصولها ـ استكمالاً لما شهدته بيروت، مؤخراً، عندما حضر سعد بن شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، ووقّع مع وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض، بحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الملحقين التعديلييّن للإتفاقيتين الموقعتين بين تحالف الشركات والحكومة، من أجل القيام بعمليات الاستكشاف، والإنتاج، في الحقلين رقم 4 و9. ويسمح الملحقان بدخول شركة “قطر للطاقة” كشريك أساسي في عمليات التنقيب إلى جانب شركتي “إيني” الإيطاليّة و”توتال إنرجي” الفرنسيّة، بمعدل 30 بالمئة للشركة القطريّة، و35 بالمئة لكل من الشركتين الأوروبيتين. وقد رحّب الرئيس ميقاتي بهذه الخطوة الواعدة، ومردوداتها الإيجابيّة على لبنان. لكن، بالمقابل، إنتشرت تساؤلات في صفوف رجال المال والأعمال، حول “البعد الثالث”، أو “القطب المخفيّة” التي دفعت إلى إبرام هذا النوع من اتفاقيات الاستثمار في بلد لا رئيس فيه، ولا حكومة، ولا قضاء، ولا عدالة، ولا محاسبة، ولا ضمانات لحفظ الحقوق، ولا مؤسسات فاعلة منتظمة فوق الشبهات؟
ومن بديهيات الاستثمار، أنه عندما تحاول مؤسسة أو شركة أن تستثمر في أي دولة، تتقصّى أولاً أحوال قضائها، ومؤسساتها، والضمانات القانونية لديها، لكي تقتنع، وتقدم… إلاّ في لبنان، البلد ينهار، والمؤسسات تتصدع، والأوضاع الإجتماعيّة المعيشيّة تجاوزت الخطوط الحمراء، ورغم كل ذلك يأتي من يوقّع، ويستثمر، لأن من يوفرّ له الحوافز والضمانات هو “البعد الثالث”.
وما يقال عن النفط، والغاز، والاستثمار، يقال عن القضاء، والمرفأ. ولا حاجة للدخول في التفاصيل لأن بعضها معروف، ومعلن، والكثير منها لا يزال في معاقل الأسرار المكتومة، والحقائق المكبوتة. لكن في الوسط الدبلوماسي من يقول بأن أزمة المرفأ فجّرت أزمة القضاء، وهناك حبل التحقيقات الموصول ما بين القضاء والمرفأ الذي يرقص فوقه “البعد الثالث”. وبكلام صريح، إن الحقيقة في المرفأ تنجلي، بعد التفاهم حول الجهة التي ستمسك بهذا المرفق الحيوي، وفق مضبطة من الشروط، والمواصفات.
هنا تكمن “القطبة المخفيّة” حيال كل ما يجري. هناك تنافس جدّي بين شركات، ودول، ومرجعيات، تطمح للإمساك بملف المرفأ، وإعادة بنائه، واستثماره، فلمن تكون الغلبة؟ الجواب رهن الظروف والتطورات.
ويطلّ الإجتماع الخماسي الباريسي على لبنان، من زوايا أربعة:
- هناك بحث جدّي ما بين هذه الدول حول كيفيّة الإمساك بالقطاعات الإنتاجيّة، وموارد الإستثمار.
وتدخل الخصخصة هذه المرّة من الباب الواسع، ومن دون أن تكون هناك ضوابط لبنانية قادرة على ضبط الإيقاعات، أو الحدّ من جموحها.
- بدأ البحث جديّاً بمواصفات رئيس وزراء لبنان. ومن سيكون؟ أو من هو الأكثر أهلية وتطابقاً للمواصفات المطلوبة. ويشمل البحث مواصفات الوزراء، أو ما بات يعرف بـ”فريق العمل الوزاري المؤهل أن يحقق الإصلاحات المطلوبة للنهوض”! وعند البحث عن الفريق الوزاري، يعني البحث عن الشخصيات الأكثر تعاطفاً مع مصالح “البعد الثالث” في لبنان.
- هناك بحث في الهويّة الإقتصاديّة لهذا البلد المتكىء على كتف المتوسط، والذي يشكل نقطة عبور، ومحطة “ترانزيت” ما بين الغرب والشرق. والبحث في الهويّة الاقتصاديّة يقود حكماً إلى البحث في الهوية السياسيّة المطلوبة.
- إن حسم الإستحقاق الرئاسي لم يحن أوانه بعد. الفرصة لا تزال متاحة أمام اللبنانيين، وعليهم التصرف، قبل أن يحين الوقت الذي يقرر فيه “البعد الثالث” عمليّة الإختيار.
لقاء باريس الخماسي، مجرد حلقة ضمن مسلسل، والأنظار مشدودة منذ الآن الى الموعد المقبل، وهل سيكون للبنان رئيس، أم يأتي على بساط الريح؟!