في لبنان… اكثر من 16200 مبنى معرّض للسقوط

تتفاقم التحديات التي يمّر بها لبنان راهناً، ومعها المخاطر التي تعيق سلامة وأمن واستقرار أبنائه، جرّاء تداخل العوامل الطبيعية التي جعلت من لبنان واحداً من البلدان المعرضة لمخاطر الزلازل في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مع تراخي الدولة في تحمّل مسؤولياتها في العديد من القطاعات من بينها تأمين سلامة الأبنية السكنية وضمان أمن قاطنيها.

غياب السياسات الإصلاحية للحكومات المتعاقبة، أعاد إلى الواجهة، تخاذل الدولة في إيجاد حلول للأبنية المهددة بالسقوط، قبل سواها، أكان جرّاء العوامل الطبيعية من زلازل وهزّات أرضيّة، أو بفعل الإهمال المتمادي للأبنية القديمة وغياب الدراسات الهندسيّة للأبنية المشيدة خلافاً للقانون… ما دفع رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات المحامية أنديرا الزهيري، إلى التحذير من «تداعيات الهزة الأرضية على الأبنية السكنيّة»، مذكرة بأنّ «أعداد الأبنية الأيلة للسقوط أكثر من 16200 في لبنان»، من بينها «أكثر من 10460 مبنى في محافظة بيروت وحدها من دون إحتساب منطقة المرفأ ومحيطها المتضرر، وتليها منطقة الشمال وطرابلس بـ4000 مبنى، لتتوزع الأرقام المتبقية بين الجنوب وجبل لبنان والبقاع».

وهذا ما دفع أيضاً «تجمع مالكي الأبنية المؤجرة» إلى التحذير من تداعيات ما قد يحصل في حال استمر إهمال تطبيق القوانين المرتبطة بالأبنية القديمة، وذلك، لتجنّب تحميلهم مسؤولية إنهيار تلك المباني، والتي تقع مسؤولية صيانتها وترميمها وتدعيمها على عاتق المالك وفق المادة 18 من قانون البناء.

ووسط غياب مسحٍ مستجد للأبنية المهددة بالسقوط، وتحديداً بعد تفجير مرفأ بيروت، لتضاف إلى المسح السابق، عاش اللبنانيون من جديد مشهدية سقوط «مبنى مرهج» في الأشرفية في العام 2020، ومبنى الفوّال في المينا طرابلس في نهاية العام 2019، ومبنى «العنان» في برج البراجنة في العام 2018، وآخر مؤلف من خمس طوابق في منطقة فسّوح الأشرفية عام 2012 مخلفاً ما يقارب 27 ضحيّة، قبل العودة إلى الفاجعة المؤلمة التي وقعت في مدرسة «الأميركان» الرسمية المختلطة، في حي جبل محسن في مدينة طرابلس، وراحت ضحيتها الطالبة ماغي محمود (16 عاماً)، وذلك من جراء انهيار جزئي لسقف المدرسة.

وإذا كان القانون يحتّم على المالك القيام بأعمال التشييد والتدعيم اللازمة، فإنّ تمنّعه يفرض على البلدية القيام بذلك على نفقة المالك، في حين تبقى القوانين ومنها المرتبطة بالسلامة العامة حبراً على ورق، وسط غياب الآليّات والتقنيّات والتشريعات كما الإمكانيات المادية لتطبيق القوانين، بعد إرتفاع نسبة الأبنية المشيّدة من دون ترخيص، وبغياب الدراسات الهندسيّة، وتمدد البناء العشوائي الذي أحدث فوضى عمرانية تمّ تكريسها عبر تشريع التسويات المخالفة للبناء على حساب السلامة العامة التي يعود إلى الدولة بالدرجة الأولى مسؤولية ضمانها كسلطة مركزية، ومن ثم البلديات كسلطات محلية في الدرجة الثانية، في حين يتولى أصحاب الإختصاص أيضاً، أي نقابة المهندسين المسؤولية في مواكبة تلك السلطات ومدهم بالخبرات والدراسات المطلوبة إن لناحية الترميم أو البناء، قبل تحميل صاحب المبنى والمهندس المنفّذ المسؤولية في نهاية المطاف.

وفي مواكبة لإرتدادات الكارثة الزلزالية التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا على لبنان، أوضح نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب لـ»نداء الوطن»، «قيام هيئة الإغاثة بتشكيل خليّة تضم إلى جانبهم، المحافظ وممثلين عن البلديات والصليب الأحمر، للإستجابة لأي بلاغ من المواطنين عبر إرسال فريق متخصص من المهندسين لتحديد الأضرار ومخاطرها على سلامة المواطنين ورفع توصياتهم أكان بالمعالجة أو إخلاء البناء المتصدّع». ولفت إلى أنّ الكشف الهندسي منصب راهناً على الأبنية المتضررة جرّاء الهزات الأرضية، مشيراً إلى أنّ الأبنية التي تعرضت للتشققات لم تكن ضمن جدول الأبنية القديمة المتصدعة في الأسواق والأكثر عرضةً للسقوط.

وإذ شدد على أنّ غياب الدراسات الهندسيّة العائدة إلى الأبنية القديمة يعيق قدرتهم على تحديد نسبة المخاطر لمواجهة الكوارث الطبيعية من هزات أرضيّة وغيرها، أكّد أنّ الأبنية المشيدة بعد العام 2005 والحائزة على ترخيص من نقابة المهندسين، لحظت في دراساتها الإنشائية وجوب توفر عامل الأمان من الزلازل والهزات التي تصل إلى ما يقارب الست درجات بحدٍ أدنى.

وفي سياق متصل، وبعيداً عن تداعيات العوامل الطبيعية (الزلازل) التي تتطلب خطة إنقاذ وطني، دعا النائب السابق المهندس عماد واكيم إلى اتخاذ تدابير إستباقية تحضيرية قبل وقوع الكوارث، عبر التشديد في تطبيق القانون الذي يفرض أن تكون المباني مقاومة للزلازل ومراقبة المنفذين، كما إيجاد البدائل عن البحيرات القائمة على فوالق زلزالية كبحيرة اليمونة التي قد يطال إنفجارها العديد من البلدات المحيطة بها. ووسط غياب المسح الدقيق للأبنية المهددة بالسقوط، اعتبر أنّ غالبيّة الأبنية القديمة التي استخدم بها الحجر الرملي تتطلب الصيانة والتدعيم، ما يستدعي وضع خطة شاملة وتوفير الميزانية المطلوبة لضمان السلامة العامة في لبنان.

طوني كرم – نداء الوطن