17 عاماً على “اتفاق مار مخايل”: جردة حساب السابق.. واللاحق!

/ رندلى جبور /

17 عاماً مرّت على “اتفاق مار مخايل” بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، ومرّت عليه طلعات ونزلات كثيرة، ومحاولات جمّة لإسقاطه بما يناسب أجندات ورغبات البعض.

17 عاماً كان أقساها العام الأخير، حيث ارتفع منسوب المواقف التي تتحدث عن مأزق، ومن داخل البيتين، وبات الجميع بانتظار إعلان الطلاق.

ولكن أياً من الطرفين لم يعلناه، بل على العكس، عاد الدم إلى شرايين العلاقة من خلال اللقاءين الأخيرين في ميرنا الشالوحي وفي الرابية.

هذه اللقاءات، تؤكد حرص القيادتين على عدم القطع النهائي مع ما شكّل صمام أمان للوطن طيلة عقد ونصف العقد.

وبغض النظر عن العتب المتبادل وبعض الاختلافات، يمكن تسجيل ما للاتفاق وما عليه، وما المطلوب.

1 ـ حقّق هذا التفاهم ضمانة للوحدة الوطنية والاستقرار، ولم يسمح بإعادة نصب المتاريس بين اللبنانيين.

2 ـ ثبّت هذا التفاهم فكرة المقاومة كحق طبيعي للبنان في مواجهة الأعداء، إسرائيل والارهاب، وحقق انتصارات في هذا المضمار.

3 ـ فتح البيئات على بعضها البعض وعمّد ثقافة وطنية مشتركة مع الحفاظ على خصوصية كل بيئة وبنى علاقات اجتماعية مختلطة بكل ما لها من غنى وجمال.

4 ـ منع أصحاب الاجندات المشبوهة من أخذ لبنان إلى مكان آخر، أو إعادته إلى حضن محور بعينه، ووقف في وجه كل التشويش والتضليل والكذب الإعلامي.

5 ـ جعل أبناء الاقليات الطائفية يشعرون بالأمان، وخفّف من الخوف والهواجس الوجودية.

6 ـ أعاد الشيعة إلى قلب الوطن، وأعاد المسيحيين إلى قلب المشرق، من دون أذية أي مكوّن ثالث أو رابع.

ولكن، في المقابل، هناك نقاط تسجّل على هذا التفاهم:

1 ـ لم يتمكّن من إعادة بناء الدولة على أسس الإصلاح، والحقوق، والرفاهية الاقتصادية والمالية.

2 ـ لم يجعل الفريقان يلتقيان على وجهات نظر واحدة في محطات سياسية داخلية كثيرة، خصوصاً لجهة الاشخاص الذين سيتولون مناصب معينة، أو قوانين محددة، أو كيفية التعاطي مع أزمة أو مستجد، أو مقاربة مسائل مفصلية.

3 ـ لم ينتهِ إلى تشكيل جبهة قوية لديها رؤية موحّدة، وبالتالي بات الانجاز إعجازاً.

4 ـ لم يمنع الأصوات النشاز داخل كل بيت، من الارتفاع، وأحياناً السيطرة على العالم الافتراضي.

قد تكون الظروف السياسية والضغوط الخارجية، والعلاقات الداخلية، والحروب الإعلامية، ساهمت في عدم استمرار شهر العسل، ولكن ذلك لا يعني أنهما وصلا إلى الطلاق.

وعليه، المطلوب من “التياريين” الاقتناع أن “حزب الله” ليس قادراً على كل شيء، وأنه ليس وحده مسؤولاً عن عدم تحقيق بند بناء الدولة. وإذا كان قادراً بفائض قوته، إلا أنه لا يرغب باستخدامها في الداخل، لألف تخوّف وتخوّف. وأن “الحزب”، كما “التيار”، يريد أشياء كثيرة، ولكن لا حول ولا قوة.

والمطلوب من “الحزب” الاقتناع أن بعض مواقفه لا تخدم المصلحة الوطنية العليا، وأن العمل التقليدي في الوضع الراهن، لا يجدي نفعاً، وأن الليونة والذكاء مطلوبان الآن، وأن بعض الحمايات ستؤذيه هو، كما الوطن.

والمطلوب من الطرفين، “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” معاً:

1 ـ عدم إغلاق الأبواب، أو رفع السقوف في وجه بعضهما البعض، بل إجراء حوارات متواصلة، وإعادة تقييم لكل المرحلة السابقة، والتفكير معاً في المرحلة الراهنة واللاحقة، ومتطلباتها.

2 ـ وضع ورقة عمل لتنفيذ الوارد في “تفاهم مار مخايل”، مع عناوين وروزنامة زمنية واضحة.

3 ـ إعادة تفعيل اللجان المشتركة كلها.

4 ـ الاقتناع بأن وجود كل طرف ووجود لبنان، مرتبط بالبقاء معاً، وتخطئ المقاومة إذا ظنّت أنها ستبقى قوية بلا “التيار”، ويخطئ المسيحيون إذا اعتقدوا أن وجودهم مضمون في حال اختاروا العزلة.

وأخيراً، فليتوقف “تربيح الجميلة” من الطرفين، وليذهبا للتفكير بكيفية إنقاذ لبنان وتحقيق جوهر “تفاهم مار مخايل” وأهدافه السامية.