هل تعديل الدستور ممكن؟

عشية اجتماع باريس، لم تبدر عن المشهد الداخلي أي اشارة ايجابية تلاقيه، ذلك انّ الجبهات السياسية على اختلافها، باتت مسلّمة بالافتراق الكامل عن بعضها البعض في الرؤى والتوجّهات، وباستحالة صياغة التوافق في ما بينها على أي شخصية لرئاسة الجمهورية، كما باتت مسلّمة بأنّ نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية بات مقتصرًا فقط على مرشّحين اثنين جديّين: رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وتبعًا لذلك، بات الواقع الداخلي مفروزًا على جبهتين تخوض كل منهما محاولة لحشد اصوات الاكثرية النيابية لإيصال مرشحها. وعلى ما تؤشر الوقائع المرتبطة بهذا المسار، فإنّ هذه المحاولات لتجميع هذه الأكثرية ليست شديدة الصعوبة فحسب، بل هي من سابع المستحيلات. وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ كل “البوانتاجات” التي أُجريت، سواء من الفريق الداعم لفرنجية، او من الفريق الداعم لقائد الجيش، بعيدة جدًا عن الأكثرية المطلوبة، حيث انّ الأساس في هذه المحاولة ليس تحقيق الاكثرية المطلقة (65 نائبًا) لانتخاب الرئيس في دورة انتخاب ثانية إذا ما انعقدت الجلسة الانتخابية، بل انّ الأساس هو تحقيق نصاب انعقاد الجلسة أي نصاب الثلثين (86 نائبًا)، وانتخاب الرئيس بحضور الثلثين، حيث انّ طرفي الصراع الرئاسي يملك كل منهما الثلث المعطّل لانعقاد اي جلسة.

يُضاف إلى ذلك، انّ هذه البوانتاجات غير مرتبطة فقط بالجانب الرئاسي، بل بالشق المتعلق بتعديل الدستور. فإذا كان الحائل دون وصول فرنجية هو مانع سياسي عبر تكتل قوى نيابية تزيد عن الثلث المعطّل، لمواجهته، الّا انّ مانعًا دستوريًا يواجه قائد الجيش في ما لو مال الاختيار عليه، حيث انّ تعديل الدستور يتطلب ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وفي دورة انعقاد عادية.

وسألت “الجمهورية” مصادر قانونية عن إمكانية تعديل الدستور وسط هذه الاجواء، فقالت: “بصرف النظر عمّا اذا كان المجلس النيابي قادرًا على تعديل الدستور في هذه الفترة او لا، فهل يمكن تعديل الدستور في ظل حكومة تصريف الاعمال؟”.

وأضافت المصادر: “الدستور يحدّد آلية تعديله في مادتين، حيث تنص المادة 76 من الدستور على انّه “یمكن إعادة النظر في الدستور بناءً على اقتراح رئیس الجمهوریة، فتقدّم الحكومة مشروع القانون إلى مجلس النواب”. وتعديل الدستور ربطًا بهذه المادة غير ممكن في غياب رئيس الجمهورية. واما المادة 77 من الدستور فتنص على انّه «يمكن أیضاً إعادة النظر في الدستور بناءً على طلب مجلس النواب في خلال عقد عادي، وبناءً على اقتراح عشرة من أعضائه على الأقل، على أن یبدّي اقتراحه بأكثریة الثلثین من مجموع الأعضاء الذین یتألف منهم المجلس قانونًا بإعادة النظر في الدستور. فيبلّغ رئیس المجلس ذلك الاقتراح إلى الحكومة طالباً إلیها أن تضع مشروع قانون في شأنه، فإذا وافقت الحكومة المجلس على اقتراحه بأكثریة الثلثین، وجب علیها أن تضع مشروع التعدیل وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر، وإذا لم توافق فعلیها أن تعید القرار إلى المجلس لیدرسه ثانیة، فإذا أصرّ المجلس علیه بأكثریة ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذین یتألف منهم المجلس قانوناً، فلرئیس الجمهوریة حینئذ أما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حلّه وإجراء انتخابات جدیدة في خلال ثلاثة اشهر، فإذا أصرّ المجلس الجدید على وجوب التعدیل وجب على الحكومة الانصیاع وطرح مشروع التعدیل في مدة أربعة اشهر”.

وخلصت إلى القول: “هاتان المادتان تشترطان وجود حكومة، وكما انّ لمجلس النواب دوره، كذلك فإنّ هاتين المادتين تحدّدان للحكومة دورًا اساسًيا في طرح مشروع تعطيل الدستور. ولبنان اليوم في ظل حكومة تصريف اعمال صلاحياتها مقيّدة بنطاق ضيّق جدًا، فإذا كانت هذه الحكومة غير قادرة على الاتفاق على عقد جلسة لمجلس الوزراء ببنود اقل من عادية، فهل في إمكانها بوضعها غير مكتمل الصلاحيات، أن تطرح مشروع لتعديل الدستور.. أشك في ذلك؟”.