جاء في “الاخبار”:
تعمّد المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الحضور إلى مكتبه في قصر عدل بيروت صباح أمس، في محاولة لنفي المعلومات المؤكدة عن محاولات نقله إلى قصر عدل الجديدة – المتن بعد تحذيرات تلقاها من قيادة الجيش بعدم الخروج من منزله. لكن الحضور الذي استمر ثلاث ساعات، لم ينفع في التعمية على التطورات التي لا تزال تتوالد مِن جّراء الانقلاب القضائي الذي نفذه البيطار، ولامست تداعياته حدّ تفجير الشارع.
نهاية الأسبوع الماضي، تلقى قائد الجيش جوزيف عون معلومات من أجهزة أمنية رسمية بأن قراراً بتوقيف البيطار قد يصدر في أي وقت عن مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، فأبلغ عون البيطار بملازمة منزله، وزوّده يوم الإثنين الماضي بمعطيات عن إمكانية حصول تظاهرة أو اعتصام ضده، وأن الجيش لا يريد أن يكون طرفاً، مشدداً عليه عدم الخروج. في اليوم التالي، أبلغَ البيطار الجيش أنه يريد الحضور إلى العدلية يوم الأربعاء، فأجرى قائد الجيش اتصالاته ونسّق مع مديرية المخابرات التي أفادته بأن لا مؤشرات على تحركات شعبية، وليس متوقعاً حصول مقابلة بينَ البيطار وعويدات، وبالتالي يُستبعد حصول إشكالات. بناء عليه، أبلغَ قائد الجيش، الحريص هذه الفترة على أن يزن كل خطوة، البيطار بأنه مستعدّ لتوفير حماية شخصية كاملة له ما دامَ الجو «هادئاً»، لكنه لفته إلى أن الجيش لن يبدو مهما حدث وكأنه طرف في الصراع القضائي، ولن يتورط في أي مواجهة مع المواطنين في الشارع.
وكان لافتاً استقبال البيطار، مساء الثلاثاء، السفير الألماني لدى لبنان أندرياس كيندل (الذي يتصرف كمندوب سام جديد وينافس السفيرتين الفرنسية والأميركية في مخالفاتهما الأصول الديبلوماسية) لمدة ثلاث ساعات في منزله الذي وصل إليه السفير في موكب من ثلاث سيارات حملت الرقم نفسه وفقَ معلومات أمنية.
الأنباء عن حال «العدلية» بعد أسبوعين من الصراع الذي انفجر على خلفية ما قامَ به البيطار لم تتغيّر. لا بل إنها تأخذ منحى أكثر سلبية مع فشل كل المحاولات لدفع مجلس القضاء الأعلى للاجتماع لمناقشة التطورات الأخيرة. أولاً بسبب إصرار رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود على عدم المس بالبيطار، وبسبب تراجع الأعضاء المسيحيين عن قبول حضور الجلسة تحت ضغط الرأي العام المسيحي. وقد عقِد أمس لقاء بين عبّود والبيطار، سبقته اتصالات على أكثر من جهة بين عبود وعويدات ووزير العدل هنري خوري للبحث عن مخرج، إلا أنها لم تؤد إلى نتيجة.
وعلمت «الأخبار» أن أحد أعضاء مجلس القضاء قدّم اقتراحاً يقضي بـ «تراجع البيطار عن إجراءاته مقابل تراجع عويدات عن الادعاء عليه، لكن الأخير رفض وهو مصرّ على أن يعلِن البيطار تنحيه عن الملف مؤكداً أنه سيستكمل إجراءاته في حال عدم امتثال المحقق العدلي والأمر نفسه يؤكده الأخير، ولا يتوانى كل منهما عن إطلاق الشتائم بحق الآخر»! ولعلّ ما زادَ من النكبة القضائية وجعلَ انعقاد مجلس القضاء الأعلى شبه مستحيل هو الغطاء الذي أمّنه البطريرك بشارة الراعي للبيطار. علماً أن معنيين بعمل القضاء زاروا الراعي وأبلغوه رأيهم بالمخالفات القانونية التي يرتكبها المحقق العدلي، وأن «تغطية ما يقوم به يعطي الملف بُعداً سياسياً يُضرّ بالتحقيق ويتسبب بمشكلة كبيرة في البلاد وله تأثير سلبي على القضاء»، فأجاب الراعي بأنه «لا يفهم في القانون، ويُريد استمرار التحقيق بمعزل عن هوية القاضي أو طائفته وأن على مجلس القضاء الأعلى التصرف سريعاً»، علماً أنه أظهرَ تأييداً كبيراً للبيطار في مواجهة عويدات خلال عظة الأحد الماضي، قبلَ أن يعدّل الموقف في اجتماع البطاركة أمس.
السينما الغربية تتدخل
إلى جانب الواقع القضائي والسياسي، تستمر الحملات الإعلامية والقانونية المتصلة بملف المرفأ ضمن عملية تهويلية تدعو إلى تدويل القضية. فالتدقيق في طريقة توظيف الجريمة، يشير إلى أنها تحاكي السيناريو الذي أحيط بعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. إذ يعمل فريق لبناني على تكرار السيناريو من خلال توجيه الاتهامات نحو حزب الله، ويجري دعم ذلك من خلال إجراءات تُبقي البوصلة في الاتجاه الذي يريده أصحاب المخطط. ومن ضمن هذا السياق، أعلنت قناة «France 5» عن وثائقي سيعرض الأحد المقبل حول انفجار المرفأ تحت عنوان «حزب الله والتحقيق الممنوع». العرض الترويجي للفيلم يصب كله في إطار اتهام الحزب الذي هو «حركة إسلامية تابعة لإيران تسيطر على جزء كبير من لبنان خاصة منطقة المرفأ»، وأن الحزب «يرفض إجراء تحقيق مستقل في أسباب الانفجار، فهو فوق القانون لذا يُعد التحقيق مستحيلاً». ويتبنّى الفيلم السردية الإسرائيلية بالكامل باعتبار الحزب منظمة إرهابية منذ نشأته، ويتحدث عنه كـ «منظمة إرهابية هائلة ضاعفت الهجمات في جميع القارات، وأنه ميليشيات خاصة أقوى من الجيش اللبناني تحارب إسرائيل وتدافع عن نظام بشار الأسد». وشارك في إعداد الوثائقي الصحافي مخرجوون وصحافيون من بينهم صوفيا عمارة وهي صحافية ومخرجة أفلام فرنسية من أصل مغربي. سبق لها أن عاشت في لبنان أواخر تسعينيات القرن الماضي بعد زواجها من شاب لبناني، قبل أن ينفصلا وتعود إلى فرنسا. وقد لعبت دوراً كبيراً في سوريا عبر الترويج لسرديات ضد الدولة السورية وحلفائها. وقد أوقِفت في بيروت عام 2018 بعد ادعاء الهيئة الاتهامية في بيروت عليها بجرم «شهادة الزور» والقدح والذم وتشويه السمعة التي أدلت بها في قضية محاولة اغتيال المحامي رامي عليق في أيار 2013. مع الإشارة إلى أن معدي الفيلم استعانوا على ما يبدو بخبرة النائب مروان حمادة في مجال اتهام حزب الله، وهو يظهر في الفيلم إلى جانب شخصيات كثيرة بينها مسؤولون في الحزب أيضاً.
من جهة أخرى، وفي إطار «تدويل» القضية من خلال اللجوء إلى محاكم خاصة، عُلِم أنه يجري إعداد عشرات القضايا الجنائية لرفعها في عدة دول أوروبية، نيابة عن ضحايا انفجار مرفأ بيروت، ضد المتسببين المحتملين في الجريمة. وقال مصدر في منظمة «Accountability Now » السويسرية إنه يجري التحضير لرفع قضايا في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وكرواتيا والمملكة المتحدة. ودعت المنظمة Accountability Now في 25 كانون الثاني الماضي حاملي جوازات السفر الأوروبية من المتضررين لتقديم شكاوى جنائية في ولاياتهم القضائية الوطنية، في ظل عرقلة التحقيق اللبناني ومحاولة عزل المحقق العدلي عن القضية، خصوصاً أن بين ضحايا انفجار مرفأ بيروت من هو لبناني ويحمل جنسية أجنبية، كما بين الضحايا أجانب يمكن للمحاكم في بلدانهم الأصلية فتح تحقيقات جنائية في الانفجار، ما قد يؤدي إلى توجيه لوائح اتهام في هذه البلدان مع توقف التحقيق اللبناني.اللبناني.