باسيل بين المبدئية والميثاقية والشراكة.. والشعبوية

/ غاصب المختار /

صدق من قال، وهم كثر، أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل “لم يترك له صاحباً” من السياسيين، وحتى من بين محازبي وأنصار “التيار الوطني الحر”. فقد استعدى معظم، إن لم يكن كل الناس، بأدائه وتعاطيه “الفج” احياناً مع الآخرين، ومواقفه وشخصيته “الواثقة زيادة عن اللزوم”، وعناده على الحق كما على غير الحق، وكل هذا تحت عناوين: “الموقف المبدئي والميثاقية والشراكة”، لكن ثمة من يضيف الى هذه العناوين عنوان “الشعبوية المسيحية” بسبب الخلافات والانقسامات الحاصلة بين القوى السياسية المسيحية، لا سيما حول الاستحقاق الرئاسي وملفات اخرى.

ضاقت مواقف باسيل من القضايا المبدئية المتعلقة بإصلاح الدولة ومكافحة الفساد وتطبيق بعض بنود اتفاق الطائف، كاللامركزية الادارية، الى تشديده خلال الاشهر الماضية على موضوع الميثاقية في كل الامور الاجرائية المتعلقة بإدارة الدولة، ومنها مثلا نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس النيابي، وعقد جلسات مجلسي النواب والوزراء واتخاذ القرارت، وصولا الى اعلانه “أصول الشراكة” بين المكونات اللبنانية. وهو تراجع عن المبدأ العام، الى مستوى المحاصصة في اتخاذ القرار وتسجيل الحضور السياسي في اللعبة السياسية القائمة.

وبهذا المعنى، لا يمكن النزول من القضايا المبدئية الصحيحة الى مستوى القضايا التكتيتيكة الصغيرة بهذه السهولة والبساطة، فصاحب المبدأ لا يتنازل عنه ويعرض بضاعة اخرى في سوق السياسة اللبنانية الرخيصة، إذ يصبح كسواه من السياسيين الذين يوجه اليهم النقد والتجريح احياناً.

صحيح ان الكل بحاجة الى قليل من الشعبوية في ظل الخلافات والانقسامات القائمة حول كيفية ادارة الدولة، لكن إدارة مؤسسات الدولة يُفترض ان تكون اسمى واكبر وأهم من تسجيل مواقف ذات بعد طائفي وشعبوي ضيّق، فكما ان الرئيس نجيب ميقاتي او الرئيس نبيه بري يسجلان مواقف “لحفظ حقوق السنة والشيعة”، وكذلك حال مرجعيات من طوائف اخرى، يحاول باسيل تقليدها بتسجيل مواقف “لحفظ حقوق المسيحيين”، فدخل في لعبة المحاصصة الطائفية والمذهبية تحت عنوان الشراكة، بما يعني تحويل مؤسسات وادارات الدولة الى مؤسسات تابعة لطوائف ومذاهب لا الى جسم الدولة وهيكلها.

ما هكذا يتم بناء الدولة، ولا هكذا تتحقق الشراكة، ولا بهذه الطريقة تتحقق الميثاقية. فقد أدى هذا الأداء من جميع القوى السياسية، الى تحلل الدولة وضياع تأثير وهيبة وانتاجية مؤسساتها، وتحولت الى مكاتب حزبية طائفية لا ولاء لها لفكرة الدولة، بل كل الولاء للزعيم الطائفي وللطائفة ولمصالح هذا وتلك لا لمصلحة الدولة والناس.