لا فرحَ سوى مع العاصفة فرح التي ننتظرها والتي بفضلها ستنزِل الثلوج على علو تسعمئة متر.
أما في الملفات السياسية والنقدية والتربوية، فلا فرح ولا مَن يفرحون: سياسيًا، لولا حركة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ونجله رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط، لكان الجمود سائدًا.
رئيس الاشتراكي زار عين التينة هذا المساء، بعدما كان النائب تيمور جنبلاط زار بكركي نهارًا.
جنبلاط قال بعد اللقاء في عين التينة: نحاول اختراق بعض الحواجز للوصول إلى توافق يعطينا أملا في انتخاب رئيس لأننا لا نستطيع أن نبقى في دوامة الورقة البيضاء، ربما للبعض حسابات جيوستراتيجية ولكن ثمّة شيء مخيف وهو انهيار الليرة ومهما حاول البعض في مصرف لبنان القيام بهندسات مالية فهذا لا ينفع إذا ما لم يجر إصلاح حقيقي من خلال انتخاب رئيس وتنبي قسم من مشروع البنك الدولي.
ومن بكركي قال النائب راجي السعد الذي كان في الوفد مع النائب تيمور جنبلاط: لقد تمّ طرح 3 أسماء لرئاسة الجمهورية، وإذا كان هناك من إتفاق كبير على قائد الجيش فسنتوجه إلى تعديل الدستور، علماً أنَّ الراعي لم يعطِ أي إسم ومن جهته لم يتّخذ موقفاً ولم يُعطِ أولويّة لأيّ إسم.
حكوميًا، الرئيس نجيب ميقاتي يستعد للدعوة لجلسة لمجلس الوزراء ستكون الثالثة في ظل الفراغ الرئاسي، يقول الرئيس ميقاتي: “إننا في صدد إعداد الملف التربوي المتعلق بإضراب المدارس الرسمية وملف الجامعة اللبنانية، وتسلم الاقتراحات المطلوبة من معالي وزير التربية تمهيدا للدعوة الى جلسة حكومية ثالثة هذا الاسبوع او مطلع الاسبوع المقبل بأقصى حد. كما ستناقش الجلسة أيضاً العديد من الملفات الطارئة التي تشكل أولوية ملحة ولا إمكان لبتها خارج مجلس الوزراء”.
قبل كل هذه الملفات، غدًا يبدأ شهر شباط، وهو ليس عاديًا هذه السنة: بدءًا من غد، وداعًا لدولار 1500 الذي رافق اللبنانيين لقرابة الثلاثين عامًا.
حتى الـ”فرحُ” المناخيةُ في لبنانَ قاسية، لكنها بلا ادنى شكٍّ أرحمُ من قسوةِ اهلِ السياسةِ وحكامِ المالِ وتجارِ الازمات..
فالمنخفضُ الجويُ الذي يضربُ المنطقةَ اوصلَ العاصفةَ فرح الى اعالي جبالِ لبنان، لتأخذَ بالانحدارِ مُكَلِلةً مساحاتٍ شاسعةً بالثلوج، وأمطارٍ غزيرةٍ على كاملِ السواحلِ والسهول..
ومعَ الخيرِ الوفيرِ الذي تحملُه فرح بعدَ انحباسِ الامطارِ الطويل، الا انها تحملُ من البرْدِ ما يُثقلُ كاهلَ اهلِ الجبالِ بتكلفةِ التدفئة، وكاهلِ اهلِ السواحلِ بالمواصلات..
لكنَ بياضَ ثلجِها لا صلةَ له بواقعِ السياسةِ التي لم يَذُب جليدُها ولم يَبِنْ مرجُها، واِن رَفعت من حرارتِها بعضُ التصريحاتِ ومشاريعِ المبادرات..
في عينِ التينة حطَّ رئيسُ الحزبِ التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، محاولاً اختراقَ بعضِ الحواجزِ السياسيةِ والنفسيةِ من اجلِ الوصولِ الى توافقٍ يُعطي املاً بانتخابِ رئيسٍ كما قال، لعدمِ قدرةِ البلادِ واهلِها على البقاءِ بهذه الدوامة. وما لم يَقُلْهُ جنبلاط من منبرِ عينِ التينة، قالَه وفدُه من منبرِ بكركي، بانَ اسماءً متداولةً واولُ ترتيبِها قائدُ الجيشِ بحسَبِ الوفدِ الاشتراكي الذي لم يرَ صعوبةً بتعديلِ الدستورِ لصالحِ العماد جوزيف عون متى اتَّفَقَ ثلثا المجلس..
في مجالسِ اللبنانيينَ لا شيءَ يعلو على هاجسِ الدولارِ المُعَلَّقِ على قراراتِ المجلسِ المركزي لمصرفِ لبنانَ والتي لم يَظهَرْ كاملُ تداعياتِها الى الآن، فيما بدا في السرايِ الحكومي انَ أوانَ الجلسةِ الوزاريةِ قد حان، وانَ عنوانَها تربويٌ كما قالَ رئيسُ حكومةِ تصريفِ الاعمال نجيب ميقاتي، لكنَ مفاعيلَها السياسيةَ ستكونُ مُكهرَبةً بحسَبِ الرافضينَ لكلِّ عناوينِ الاجتماع ..
في عنوانٍ ايرانيٍّ جامعٍ افتَتحت الجمهوريةُ الاسلاميةُ عَشَرَةَ الفجرِ بزيارةِ الامامِ السيد علي الخامنئي وكبارِ رجالاتِ الدولةِ الى ضريحِ الامامِ الخميني قدسَ سرُه، وفي اسرارِ هذه الايام، قوةٌ ايرانيةٌ تجسدُ عظمةَ ما حققتهُ الثورةُ التي بلغَت من العمرِ اربعةً واربعينَ عاما، وباتت أكثرَ اقتداراً رَغماً عن كلِّ الحاقدينَ والمحاصِرينَ والمتربصين.
ما سببُ كلِّ هذا الهدوء؟
هدوءٌ رئاسيٌ، على وقع حركةٍ جنبلاطية تنقلت اليوم بين بكركي وعين التينة، لا ثابتَ فيها، الا التخلي غيرِ المعلن عن دعمِ ترشيحِ النائب ميشال معوض.
هدوءٌ حكومي، على رغم التلميحاتِ الاستفزازيةِ المستمرة للرئيس نجيب ميقاتي وفريقِه الإعلامي، حول عقدِ جلسةٍ تربويةٍ لحكومة تصريف الاعمال، ستكون كما الجلساتِ السابقة، لزومَ ما لا يلزم دستورياً وميثاقياً وعملياً، ذلك أنها لم تُنتج الا مزيداً من التخبّطِ في الملفات التي قيل إنها التأمت لحلِّها، وابرزُها الكهرباء.
هدوءٌ قضائيٌّ، في ظل المعلوماتِ المتداولة عن حلٍّ يُعمَل عليه كمخرجٍ بعد ما جرى الاسبوعَ الفائت، والذي قدَّم اقبحَ صورةٍ عن سلطةٍ ثالثةٍ مترهِّلة، فاقدةٍ للقدرةِ على احقاق الحق.
هدوءٌ مالي، في ضوء التراجعِ النسبي الذي شهده سعرُ الصرف في الايام القليلةِ الماضية، في موازاةِ التباينِ في الآراء داخل المجلسِ المركزي لمصرف لبنان حول التعاملِ مع انفلاتِ الدولار… وكل ذلك طبعاً، على قاعدةِ الدجلِ الحكوميِّ اليومي، والبرلمانيِّ الدائم، حول الخُططِ والقوانين، وفي انتظارِ الخطوةِ التاليةِ للقضاء الاوروبي.
فهل هو هدوءُ ما قبل الحلولِ الممكنة؟ أما هدوءُ ما قبل العواصفِ الاضافيةِ المحتملة؟
يكذب من يزعم أنه يملك الجواب، تماماً كما كذب أكثرُ المحللين الذين ادلوا بدلوِهم حول اجتماعِ باريس، قبل أن يكتشف الرأيُ العام أنهم لا يعلمون شيئاً على الاطلاق، ويبنون كلَّ كلامِهم على تمنياتٍ او اشاعات.
غير ان الواضح ان الحلولَ المرجوةَ لا تبدو قريبة، على عكس العواصفِ التي قد تكون وشيكة.
فالهدوء الراهن بالغُ الهشاشة، ويمكن أن يتحول في لحظة، الى ضجيجٍ وهدير.
وفي الانتظار، الحذرُ واجب، والترقبُ ضروري، لأن لبنان يسير على العتمة، وفي المجهول.
لا إختراقاتِ عشيةَ دخولِ الفراغ الرئاسي شهرَه الرابع لكن الجمود الحاصَل تخرقه تحركاتٌ ومشاورات كتلك التي شهدتها عين التينة نهارَ اليوم في لقاء الرئيس نبيه بري ونواب تكتل الإعتدال الوطني وتتوّج مساءً بلقاء بين رئيس المجلس ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي يقومُ من جهته بمحاولات لإيجاد مخارج للأزمة.
ومن عين التينة عبر جنبلاط عن محاولة إختراق لبعض الحواجز للوصول إلى توافق يعطي أملاً بإنتخاب رئيس وقال: لا نستطيع أن نبقى في دولة الورقة البيضاء وهذا رأي مشترك مع الرئيس بري.
على خطٍ مواز قصد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط على رأس وفد بكركي حيث اجتمع مع البطريرك الماروني بشارة الراعي.
الوفد أكد ضرورةَ إنتخابِ رئيسٍ في أسرع وقت ممكن مشيراً إلى المرشحين الثلاثة الذين طرح اللقاء الديمقراطي أسماءهم ومشدداً على أن البطريرك لم يعط أولويةً لأي إسم.
وفي بكركي كشفت مصادرُ الصرح البطريركي عن قمة روحية مسيحية تعقد غداً بحضور البطاركة الكاثوليك والأرثوذكس للبحث في وسائل الخروج من الأزمة الرئاسية.
على الخط الحكومي جلسة ثالثة لمجلس الوزراء بهيئة تصريف الأعمال تُعقد هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل بأقصى حد على ما أعلن الرئيس نجيب ميقاتي اليوم قائلاً إننا في صدد إعداد الملف التربوي وملف الجامعة اللبنانية تمهيداً للدعوة إلى الجلسة التي ستناقش أيضاً عدداً من الملفات الطارئة الملحة.