– رندلى جبور –
بعد قطيعة قصيرة، عُقد لقاء بين التيار الوطني الحر وحزب الله على مستوى القيادات، ليشكّل حدثاً مع أنه مجرد لقاء.
وأهمية هذا اللقاء بأنه جاء ليرجّح من جديد كفّة الميّالين إلى العلاقة كمصلحة وطنية ووجودية، على الميّالين إلى العلاقة كمصلحة حزبية من أبناء البيئتين، ومن السهل التخلّص منها كلما دقّ الكوز بالجرّة.
ففي الطرفين هناك من يَنظر ويُنظّر للاستفادة التي يحققها التفاهم، وإذا لم تتحقق في حينه، فلا داعي له. يتحدثون في السياسة الآنية والاختلافات على وجهات النظر تجاهها والانتخابات والمقاعد وقوانين محددة في مجلس النواب، وسؤالهم دائماً هو حول ماذا قدّم لنا الآخَر. والنتيجة أنهم يتجهون بسرعة الضوء إلى المطالبة بفك الارتباط. يستسهلون ذلك من دون السؤال: ماذا يحقق فك الارتباط؟ وماذا يجني طالِب الطلاق؟ وهل فعلاً سيحقق لوحده ما لم يحققه مع الشريك، كائناً من كان أو ما كان السبب؟ وهل ما لم يحصل عليه مع الصديق، سيتمكّن من الحصول عليه لوحده؟
لا نقلّل من أهمية القضايا المطروحة على الاطلاق. هؤلاء محقّون في مكان ما. هناك عتب متبادل. كان يرغب التيار في أن يمتنع الحزب مثلاً عن المشاركة في الجلسات الوزارية احتراماً للشراكة التي بناها بالكدّ منذ العام 2005، وكان الحزب يمنّي نفسه في المقابل بضمور الأصوات المتطرفة ضده على حسابات إلكترونية برتقالية أو قريبة. كان يحب التيار لو أن الحزب وقف بجانبه في مسألة الدائرة 16، وكان الحزب موعوداً بتفهمه، هو الخاضع لكل عقوبات الدنيا في الاغتراب وبالتالي لا يمكنه التحرك في هذه الدائرة.
كان التيار ينتظر دعماً كاملاً لعهد الرئيس ميشال عون بعد طول نضال، وكان الحزب يطلب عدم تحميله كل العرقلة التي حصلت. وغيرها من محطات العتب السابقة والتالية أيضاً.
وهذه الامثلة كافية ليقول أهل البيتين: كفانا ولا داعي لأن نستمر. البرتقاليون منهم يقولون: لم يدعمونا بشيء رغم كل ما قدّمناه لهم، فلنعد إذاً إلى مقاعدنا وقواعدنا سالمين، فنسترجع شيئاً من الشعبية التي خسرناها في البيئة المسيحية.
والصفر يقولون: فلنخفف عنا العبء والضغط ونعود إلى بيئتنا من دون أن يخيّرنا أحد بين صديقنا في الطائفة الذي لا يمكن التخلي عنه حقناً للدماء، وبينه، من دون أن يتفهم الموقف الذي نحن فيه.
العاديّون في كل بيئة يمكن أن يفكروا كذلك. ولكن الحكمة تقتضي بالتفكير بما هو أبعد من كل ذلك بعد وعلى سبيل المثال:
1- بالنتائج البعيدة المدى على مستوى وجود التيار والحزب على حدّ سواء ومعهما المسيحيين والشيعة رغم فائض قوتهم الآنية.
2- بالانعكاسات الاجتماعية على العلاقة بين الناس لا بين حزبين، تلك التي منعت المتاريس من الارتفاع مجدداً.
3- بالثقافة المتنوعة ومفاهيم حق الاختلاف وقبول الاخر في وطن متنوع مثل لبنان، واقف دائماً على فوهة بركان.
4- بحماية لبنان وإمكان مقارعة الاعداء وخصوصاً إسرائيل والإرهاب.
5- بوجود لبنان السياسي الفاعل لا المتلقي، الذي يستطيع أن يتجه شرقاً وغرباً حسب مصلحته لا حسب إملاءات أحد.
6- بالمشرقية
7- بما قبل هذا التفاهم وبما بعده
8- بكل الحروب التي لم تحصل نتيجة لقاء كبيرين، وبالتوازن وبالحضور السيادي الوطني.
كثيرة هي الابعاد التي يجب التفكير فيها، وتكراراً نطرح السؤال: ما المصلحة العميقة في المناداة بفرط التفاهم.
على كل حال العتب مشروع، والاختلاف مسموح، ولكن خذوها مني: لن يقف أحد الطرفين يوماً ليقول على مكبرات الصوت: نعلن وفاة التفاهم أو نبلّغكم بالطلاق.