ما قامَ به القاضي طارق البيطار ليسَ استئنافاً لتحقيقاتِ المرفأ، انما طَرْقٌ لابوابِ الفتنة من جديد، وقضاءٌ على ما تبقى من قضاءٍ لبناني، وعليهِ فانَ على الجسمِ القضائي ان يبقى مستنفراً لحمايةِ نفسِه وسُمعتِه وحتى وَحدتِه..
هو واحدٌ من اغربِ الاجتهاداتِ الذي برهنَ كيفَ تداسُ العدالةُ في لبنانَ وتصبحُ الغايةُ – التي هي الاستثمارُ السياسيُ في كلِّ قضية – تبررُ الوسيلة – التي هي تأويلاتٌ قضائيةٌ يرفضُها المتدرِّبون القضائيونَ، فكيف بالقانونيينَ والمجتهدينَ الدستوريين ..
فما يَجري اليومَ ليس اجتهاداً قضائياً وانما فعلٌ تدميريٌ لما تبقى من آمالٍ بالوصولِ الى حقيقةِ تفجيرِ المرفأ. وعلى المرافئِ السياسيةِ للقضيةِ رَسَت سريعاً مواقفُ تجارِ الدمِ والدستور، حيثُ يُقتلُ الابرياءُ من جديد، وتَنزِفُ جراحُ الوطنِ معَ ساعاتِه الصعبة ..
قراراتُ البيطار خَضَّت البلد، فيما اعتبرَها مدعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات كأنها غيرُ موجودة، مستعيناً بالكتبِ السماويةِ بوجهِ النوايا الشيطانية، اما اَوجُهُ القضيةِ فجميعُها في عهدةِ المجلسِ الاعلى للقضاءِ القابعِ في اعالي الازمة، المتفرجِ على المشهدِ باصابعِه الحاضرةِ وليس بصمتهِ واعينِه السياسيةِ الزائغةِ فحسب..
وبحسَبِ مجرياتِ الامورِ فانَ البيطار ماضٍ وفقَ التوجيهِ المرسومِ له، مُطلِقاً يدَه باتهاماتٍ واستدعاءاتٍ من كلٍّ حَدَبٍ وصَوْب ..
وصَوْبَ السياسةِ التي ليست بأشفَى حالاً، لا حلَّ الا باطلاقِ الحوارِ كما يُجمعُ العارفونَ بصعوبةِ الحال، ولانَ الوضعَ من السيِّئِ الى الاسوأِ كما حذّرَ الرئيسُ نبيه بري، فانَ المراوحةَ الرئاسيةَ تحتاجُ الى مبادراتٍ حواريةٍ جديدة..
في جديدِ نتائجِ لقاءِ التيارِ الوطني الحر وحزبِ الله انه اَراحَ المشهدَ بعضَ الشيء، وصَوَّبَ المسارَ نحوَ مزيدٍ من التواصلِ والنقاشِ داخلَ الغرفِ وليس على المنابرِ وامامَ الشاشات، على اَنْ يُبنى عليه المزيدُ من اللقاءات..
امّا ما يُبنى على الدولارِ من مشاريعِ الخرابِ فقد بَلَغَت حدوداً غيرَ مسبوقةٍ معَ تخَطِّيهِ الاربعةَ والخمسينَ الفَ ليرةٍ لبنانية، والحبلُ على جرارِ الحاكمِ ومصرفِه وصَرَّافيه.
الدولار نحو الستين الفاً بخطى سريعة، وتحركات متفرقة في المناطق، من دون أن تتخطى حتى اللحظة حدود رد الفعل الاعتيادي مع كل قفزة كبيرة في سعر الصرف، في مؤشر اضافي الى مدى التسييس الذي احاط بحركة 17 تشرين قبل ثلاث سنوات تقريباً، حيث قامت القيامة ولم تقعد رفضاً لزيادة تافهة على الواتساب، اذا ما قورنت بالزيادات التي تكبدها اللبنانيون ويتكبدونها يومياً مذذاك بفعل الانهيار.
لكن، في موازاة زلزال الدولار، زلزال من نوع آخر ضرب الجسم القضائي. فالمحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت اعاد خلط كل الاوراق في الساعات القليلة الماضية، على وقع تخاطب قضائي غير اعتيادي، وسجال نيابي حاد خلال نقاش قانون استقلالية القضاء في لجنة الادارة والعدل، وفي ظل كلام يتنامى عن تحضير لإصدار القرار الظني في وقت غير بعيد.
كل هذا، ورئيس حكومة تصريف الاعمال يجد متسعاً من الوقت، لا لإيجاد الحلول للمآسي المعيشية على الأقل، بل للإدلاء بأحاديث صحافية، يفتعل عبرها حروب بيانات وسجالات مع التيار الوطني الحر، الذي اختصر المشهد بتغريدة، جاء فيها: لن نجادل اكثر، فدولة الرئيس ميقاتي معروف بصدقه وصدقيته، خصوصاً أنه دأب مؤخراً على اعتماد وسيلة جديدة اثباتاً لهذا الصدق، عبر تحريف، لا بل تزوير ما يجري معه من احاديث في لقاءات خاصة، شأنه في ذلك ما يقوم به ايضاً في اصدار المراسيم المتلاعب بها.
على وقًعِ دولار تجاوز الخمسين الف ليرة، ووضعِ طرقات يراوح بين الإحتجاج والإقفال، اندلع سجالٌ قضائي نادر بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار….
القرارات التي اتخذها البيطار أمس، ردَّ عليها القاضي عويدات برفضها، واصفًا البيطار بأن يده مكفوفة عن الملف. عويدات يقول إنه تبلغ من الاعلام “قرارعودة القاضي البيطار الى التحقيق، وكما تجاهل هو وجودنا، كنيابة عامة تجاهلنا وجوده”.
مَن على حق؟ ومَن المخطئ؟ في ظرف العصفورية القائم، لا أحد يستطيع أن يفصل اين هو الحق، فكل وجهة نظر تُقابَل بوجهة نظر أخرى، وكل دراسة تُقابل بدراسة، وفي ظل عدم إمكان الإحتكام إلى مرجعية قانونية أو دستورية ، سيشهد الوضع القضائي المزيد من التشرذم والإنقسام، فأين سيُصبح ملف المرفأ في هذه الحال؟ هل يضرب المحقق العدلي ضربته فيُصدِر القرار الظني بعد انتهاء المهل التي حددها لمَن استدعاهم؟ ومن الأسئلة البارزة: لماذا حرَّك القاضي بيطار الملف بعد سنة وثلاثة اشهر على تعليقه، هل للأمر علاقة بالحراك القضائي الأوروبي، الفرنسي تحديدًا؟ كيف يمكن قراءة جرعة الدعم الأميركية اليوم؟
القاضي بيطار لا يتراجع، القاضي عويدات لا يتراجع، متى الإرتطام القضائي الكبير؟
قنبلة المحقق العدلي بلغ صداها ساحة النجمة فاندلع سجالٌ نيابي، طرفاه نواب من حزب الله وامل من جهة، ونواب من التغيير والمعارضة من جهة ثانية. نواب الحزب والحركة هاجموا المحقق العدلي من دون هوادة، إلى درجة ان نائب حركة امل، غازي زعيتر، وصف القاضي بيطار بالمريض.
سجالٌ من نوعٍ آخر اندلع بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل . ميقاتي كشف أن باسيل قال له: “ليس كل من يرسم إشارة صليب هو مسيحي”.. ردُّ باسيل كان عنيفًا فوصف كلام ميقاتي بأنه “تحريف لا بل تزوير ما يجري معه من احاديث في لقاءات خاصة، شأنه في ذلك ما يقوم به أخيرا في اصدار المراسيم المتلاعب بها”..
هذا السجال العنيف، إنْ دلَّ على شيء، فعلى أن الهوة باتت عميقة جدًا بين السرايا وميرنا شالوحي.
في العلاقة المرممة بين حارة حريك وميرنا شالوحي ، فعلى رغم الجهد في إضفاء طابع الإجابية، فإن كلَّ طرف من الطرفين، مازال على موقفه: رئاسيًا، حزب الله يتمسك بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه. رئيس التيار جبران باسيل يرفض هذا الطرح. حزب الله يؤيد عقد جلسات لمجلس الوزراء ورئيس التيار يرفض. في هذه الحال يمكن الاستنتاج ان الخلاف ليس عابرًا ولا عاديًا، ولا يمكن التكهن كيف سيكون تنظيم هذا الخلاف.
التطور القضائي الأميركي هذا المساء أن الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على حسن مقلد وولديه، بتهمة العمل لمصلحة حزب الله.
في وضع الطرقات، شهدت عدد من المناطق إقفال الطرقات احتجاجًا على ارتفاع سعر الدولار وعلى صعوبة الأوضاع المعيشية، فهل الوضع عفوي ام هناك تحريك متجدد للوضع على الارض؟