/ جورج علم /
عام يمرّ على المبادرة الكويتيّة – الخليجيّة لإنقاذ لبنان. زار بيروت في21 كانون الثاني الماضي وزير خارجيّة دولة الكويت الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح، حاملا مبادرة من 12 بندا، تهدف الى إعادة بناء الثقة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي.
إحتفاء بهذه المناسبة، لا زجليات. لا قصائد مديح. ولا مقاصف لتبادل التهاني، بل صمت مريب، وسؤال يتردد صداه في فراغ الإستحقاق الرئاسي: لماذا يبخل الخليج بمبادرة على لبنان؟ لماذا لا يمدّه بقارب نجاة ينتشل اللبنانيين من الغرق؟ لماذا هذا التجاهل، وعدم الإكتراث؟. ولماذا هذا الكرم الفائض بالبيانات الرسمية، مقابل التقتير بالمبادرات الإنقاذيّة؟
هذه الأسئلة، وغيرها وصلت الى مسامع بعض الدبلوماسييّن الخليجييّن، وجاءت الأجوبة كصوت مهماز يوقظ الضمير الوطني من غفلته الإنتحاريّة، وثباته المشبوه.
بعضهم يقول: عندما وصل الوزير الكويتي الى بيروت قدّم بطاقة تعريف بحروف بارزة، ومضامين واضحة الى كبار المسؤولين، والفعاليات: “الكويت تريد مساعدة لبنان، لكن عليكم أن تساعدوننا بمساعدة أنفسكم”. دعاهم الى “التعاون بإيجابيّة مع المبادرة التي يحملها، لإعادة بناء الثقة”. وإعتبرها “فرصة سانحة عليكم التعاطي معها بجديّة”. وأعلنها صريحة: “أنا هنا موفدا كويتيّا، خليجيّاً، عربيّا، دوليّا، ويجب التعاطي مع هذه المبادرة على هذا الأساس”. ثم عاد وأكدّ قبيل مغادرته أن “هذه المبادرة كويتيّة من منطلق العلاقة الأخويّة مع لبنان. ومنسّقة مع المملكة العربيّة السعوديّة، ودولة الإمارات، وسائر دول مجلس التعاون الخليجي. وتحظى بدعم عربي، (وقد كان يشغل يومها منصب الرئيس الدوري لمجلس جامعة الدول العربيّة)، وتحظى أيضا بتأييد من الولايات المتحدة، وفرنسا، ودول أخرى معنيّة بالوضع في لبنان”.
بعضهم الآخر يتساءل: مع مرور عام على المبادرة، ماذا تحقق؟ هل قامت الحكومة بتنفيذ إصلاحات شاملة؟. هل نفّذ إتفاق الطائف ، المؤتمن على الوحدة الوطنيّة، والسلم الأهلي؟ هل أخذت قرارات مجلس الأمن الدولي 1559، 1701 و 1680، مع سائر القرارات الدوليّة والعربيّة ذات الصلة، طريقها نحو التنفيذ؟ هل نفّذت الضمانات في ألّا يكون لبنان منطلقا لأي أعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة، وإستقرارها، ومصدرا لتجارة وترويج المخدرات؟ هل تمّ حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعيّة؟ الدبلوماسيّون الخليجيّون يتعاطفون مع لبنان، ويتحسّسون معاناة شعبه، ويحاولون دائما ترطيب الأجواء، لكن يد واحدة لا تصفق، والمطلوب الإنتقال من الضبابيّة الى الوضوح، ومن المراوحة الى المبادرة.
يؤكد بعضهم بأن المبادرة إنقاذيّة، وتصلح أن تكون ورقة عمل لمؤتمر لبناني – خليجي – عربي – إقليمي – دولي يساعد على إنجاز الإستحقاق الدستوري، وإنتخاب رئيس يؤتمن على تنفيذ برنامج عمل واضح بأولويات يحتاجها لبنان بإلحاح، ويفترض أن تتحقق برعاية ودعم من الدول المشاركة. والكرة الأن لا تزال في المعلب اللبناني، وليس في أيّ ملعب آخر، فهل اللبنانيّون على إستعداد؟.
وعندما إنطلقت المبادرة ، إنما تحرّكت على وقع أزمة عاصفة هزّت أوتار العلاقات بعنف، وإنطلقت في تشرين الثاني الماضي، مع إنطلاق تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي حول اليمن، ما تسبب بسحب سفراء خليجييّن من بيروت، وطلب 4 دول خليجيّة من سفراء لبنان لديها مغادرتها.
وما جرى في حينه، كان بمثابة النقطة التي فاضت بها الكأس، إذ أن السعوديّة، ومعظم دول مجلس التعاون، كانت تثير مع الحكومة اللبنانية إنحياز بعض السلطة اللبنانية الى السياسة التي ينتهجها حزب الله حيالها، ومنذ سنوات، بفضل تحالفه مع الرئيس ميشال عون، وتياره السياسي، التيار الوطني الحر برئاسة صهره النائب جبران باسيل الذي توّلى حقيبة وزارة الخارجيّة والمغتربين لسنوات عدّة، وإعتمد نهجا منحازا الى حزب الله. وقد دفعت هذه الترسبات المسؤولين الخليجييّن الى قول الأمور بصراحة، وإن المشكلة لا تقف عند تصريح وزير، بل تتعداه الى الهيمنة على السلطة، وأخذ البلد الى مكان آخر بعيد عن العرب، والعروبة. وكانت معظم البيانات الوزاريّة للحكومات اللبنانية المتعاقبة تتعهد الإلتزام بسياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، وحروبها، لكن كان هناك من يخرقها على الدوام بالتضامن مع بعض الجماعات في اليمن، والهجمات التي تنفّذها بالصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة على مواقع مدنيّة في المنطقة، وبحملات إعلاميّة عنيفة على القادة السعودييّن، والخليجييّن، فضلا عن كشف الكويت والبحرين عن شبكات أمنية وعسكريّة معروفة الإنتماء، والولاء، وترعى مخططات تستهدف ألإستقرار فيهما، فضلا عن إكتشاف شحنات من كميّات هائلة من المخدرات المهرّبة الى السعوديّة، والإمارات، والكويت معروفة المصدر، والحماية، والمصالح.
الآن وصلنا الى هنا. عام مرّ على المبادرة الكويتيّة، ماذا تحقق؟. الوقائع مؤسفة. المستجدات لا تحمل ترياق حل، وتطورات الأمور على الأرض تنبىء بأن لبنان ذاهب نحو فوضى كبيرة. والعتب الخليجي لم يعد مقتصرا على ما مضى، بل على الحاضر، والمستقبل. غالبية اللبنانيين عيونهم شاخصة ناحية السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، بحثا عن حلّ، عن مخرج. والخليجيون بدورهم يبحثون عن مناكب عالية عريضة في لبنان، قادرة أن تلتزم بالتعهدات، وتتحمل أوزار المسؤوليات. هناك مبادرة خليجيّة لم يمر عليها الزمن، قادرة أن تنقذ لبنان من كبوته، إذا ما توافرت لها مستلزمات البنى التحتيّة اللبنانيّة لكي تخرج من عبّ الورق الى أرض الواقع، وتأخذ طريقها نحو التنفيذ ضمن سلّة واحدة متكاملة قوامها “رئيس، وأصلاحات” يريدها المجتمع العربي، والخليجي تحديدا، قبل المجتمع الدولي. فهل يكون 22 الجاري موعدا مع أمل جديد ، وحضن عربي – خليجي – دولي جديد يضع المبادرة موضع التنفيذ.