/ مرسال الترس /
معظم الذين شاهدوا الفيديو الذي تم تصويره في بلدة كفرقاهل ـ قضاء الكورة الاسبوع الماضي، وما تضمنه من عبارات نابية بحق عناصر قوى الأمن الداخلي، والتطاول على رؤسائهم وعلى البطريركية المارونية، ظنوا أن الدولة اللبنانية قد سقطت بدون رجعة في هذه اللحظة بالذات، في تلك البلدة الوادعة في أحد الأقضية الأكثر احتراماً للقانون على مساحة الوطن.
أما المتابعون لسياق حضور الدولة اللبنانية، فكانوا على قناعة راسخة أن تلك الدولة التي نالت استقلالها في العام 1943، قد سقطت في كل الحروب والصراعات والثورات التي شهدتها أرضها كل حقبة من الزمن، وفي فترات لا تتعدى العشر سنوات:
فهي سقطت في ثورة 1958 عندما وقفت متفرجة على شبه حياد على صراعات بين أبنائها.
وسقطت عندما تجرأت القوى الفلسطينية المسلحة على الدولة اللبنانية في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي تحت شعار “الوطن البديل” أو “طريق القدس تمر في جونيه”.
وسقطت في منتصف السبعينات عندما تنازع اللبنانيون في ما بينهم في حرب جرى الاختلاف على تسميتها “أهلية” أم “خارجية بأدوات داخلية”.
وسقطت عندما تناحر أبناء الطائفة الواحدة في ما بينهم لأسباب سياسية أو عقائدية، وصولاً إلى التناحر بين المذاهب، من دون أن تتمكن في أن تكون حكماً، أو “حلاّل مشاكل”.
وسقطت عندما اختلف ابناء الدولة على الدستور الجديد الذي جرت حياكته في مدينة الطائف السعودية أواخر ثمانينات القرن الماضي، وتسابقوا على الخروج من الدولة كما فعل شركاؤهم في ما يمكن أن يكون وطناً للجميع في أوقات سابقة.
حتى أنها سقطت عند انطلاق الحراك الشعبي في العام 2019 في ما سُمي بـ “الثورة”، وعندما بات أي “قاطع طريق” يتطاول على هذا الجندي الذي يضطر إلى ذرف دموعه لأن ليس لديه الأوامر بالمواجهة، أو ذاك رجل قوى الأمن يقف متفرجاً على انتهاك القانون بسبل شتى، وأحياناً إلى نزع سلاحه من دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه أو سلطته.
وسقطت عندما “تنافس” أبناء الوطن على ارتكاب المعاصي والفساد وشفط أموال الدولة، كلٌ بما يستطيع، لأن شريكه في الوطن يفعل ذلك.
اللبنانيون لم يبنوا دولة تفرض احترامها ساعة تشاء، بل أسسوا مزرعة تحمي المتسلطين، وتؤمن الخدمات للمواطنين عبرهم، حتى باتوا رعايا لا يقوون على رفع أصواتهم، ولذلك فهم سارعوا، في ما سمي “الثورة”، إلى مهاجمة الكل ما عدا “القائد” أو “الزعيم” الذي يحسبون في خانته.
عندما تستطيع الدولة استعادة سلطتها بقوة حضورها، عندها فقط تسمى دولة. وإلاّ فهي ساقطة منذ سبعة عقود، ولن تقوم لها قائمة… وليس من كفرقاهل حديثاً.