منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تنازع العديد من العائلات البارزة، كعائلات بونتادي (Bontade) وإنزيريلو (Inzerillo) وبادالمنتي (Badalamenti)، على عرش إمبراطورية المافيا الصقلية، بجزيرة صقلية الإيطالية، المعروفة بكوزا نوسترا (Cosa nostra). وبحدث فريد من نوعه، شهدت فترة السبعينيات والثمانينيات بالقرن الماضي صعودا سريعا للمافيا المنحدرة من منطقة كورليوني (Corleone) الريفية بصقلية. وبفضل سلفاتوري رينا (Salvatore Riina)، تمكنت المافيا المنحدرة من كورليوني من وضع يدها على باليرمو وصقلية، تزامنا مع إزاحتها لأكبر العائلات، عقب مجموعة اغتيالات صلب كوزا نوسترا طالت شخصيات نافذة كستيفانو بونتادي (Stefano Bontade) وسلفاتوري إنزريلو (Salvatore Inzerillo).
إلى ذلك، امتدت عمليات الاغتيال التي قادتها كوزا نوسترا لتطال العديد من القضاة ورجال الأمن الذين حاولوا تضييق الخناق عليها. وعقب نجاحهم في القضاء على كل من القاضي شيزاري تيرانوفا (Cesare Terranova) وزميله روكو كينيتشي (Rocco Chinnici) والجنرال دالا كييزا (Dalla Chiesa)، نفذت المافيا الصقلية عملية اغتيال ناجحة ضد القاضي جيوفاني فالكوني (Giovanni Falcone) الذي اعتبر حينها شخصية وطنية بارزة بإيطاليا.
المحاكمة الكبرى
مواصلة لما قام به كل من تيرانوفا، الذي قتل عام 1979، وكينيتشي، الذي قتل سنة 1983، اتجه جيوفاني فالكوني لتضييق الخناق على المافيا الصقلية التي قادها بتلك الفترة سلفاتوري رينا الملقب أيضا بتوتو رينا. وعقب نجاحه في استنطاق توماسو بوشيتا (Tommaso Buscetta)، أحد أهم قادة كوزا نوسترا سابقا، الذي تمرد على سلطة توتو رينا، أعلن جيوفاني فالكوني عن بدء محاكمة كبرى ضد أبرز رجال المافيا الذين أدانتهم أقوال واعترافات بوشيتا.
إلى ذلك، شهدت تلك الفترة اصدار بطاقات جلب وإيداع بالسجن ضد حوالي 475 شخصا على صلة وثيقة بالمافيا الصقلية. وفي الأثناء، أسفرت المداهمات الأمنية عن اعتقال أكثر من 350 مطلوبا للعدالة بينما ظل 119 شخصا آخرين هاربين من العدالة، كان من ضمنهم توتو رينا، لتبدأ بذلك عملية محاكمتهم غيابيا.
وعقب جلسات استماع، أصدرت المحكمة الإيطالية يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 1987 أحكاما بالسجن ضد 360 شخصا، كان من ضمنها 19 حكما بالسجن المؤبد، وبرأت 114 شخصا آخرين.
وبسبب هذه المحاكمة، جلب جيوفاني فالكوني لنفسه عداء المافيا الصقلية وعلى رأسها توتو رينا الذي نال حكما غيابيا بالسجن المؤبد. وأملا في الانتقام منه، باشرت المافيا الصقلية بالإعداد لعملية اغتيال جيوفاني فالكوني وعدد من رفاقه.
اغتيال فالكوني
يوم 23 أيار 1992، تمكنت المافيا الصقلية من إنهاء حياة جيوفاني فالكوني، الذي تحول لبطل بإيطاليا بسبب دوره الهام ضد المافيا، ضمن ما عرف بمذبحة كاباتشي (Capaci). فبأنابيب تصريف المياه الموجودة تحت الطريق السريع الذي ربط بين مطار بونتا رايزي (Punta Raisi) وباليرمو، وضع رجال المافيا الصقلية حوالي 600 كلغ من المتفجرات. ومع مرور موكب جيوفاني فالكوني الذي تكون من ثلاثة سيارات فيات كروما (Fiat Croma)، أقدم أحد رجال المافيا الصقلية، المعروف بجيوفاني بروسكا (Giovanni Brusca)، على تفعيل المتفجرات عن طريق جهاز تحكم عن بعد.
أسفرت مذبحة كاباتشي يوم 23 أيار1992 عن مقتل 5 أشخاص، كان من ضمنهم القاضي فالكوني وزوجته، وإصابة 25 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. وبالفترة التالية، تجمهرت أعداد كبيرة من الإيطاليين لحضور جنازة فالكوني. وبينما أعلن البرلمان الإيطالي يوم حداد رسمي، ألغت جميع القنوات الإيطالية برامجها واتجهت بدلا من ذلك لنقل وقائع جنازة القاضي فالكوني.
بعد نحو 57 يوما فقط عن مذبحة كاباتشي، أقدمت المافيا الصقلية على اغتيال القاضي باولو بورسيلينو (Paolo Borsellino) الذي مثّل أبرز رفيق ومساعد لجيوفاني فالكوني.