/ خلود شحادة /
على مدى 25 سنة، تولّت شركة “ليبان بوست” مهمة نقل البريد داخل الأراضي اللبنانية، وتوسّعت أعمالها إلى تحصيل رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية وتجديد جوازات السفر وإجازات العمل للعمال الأجانب وتسديد الرسوم العقارية ورسوم السير للسيارات والآليات واستبدال اللوحات… وغير ذلك من الخدمات التي كانت تحصل من خلالها على رسوم وبدلات بملايين الدولارات.
لكن المفاجأة التي كشفها ديوان المحاسبة، أن الدولة اللبنانية التي منحت “ليبان بوست” حق إنجاز هذه المعاملات واستيفاء الرسوم والأجور والبدلات.. لم تحصل من الشركة على أي مداخيل!
بدا وكأن الدولة تنازلت لشركة “ليبان بوست” عن هذه الخدمات، بالمجان!
ومعلوم أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان يملك قسماً كبيراً من أسهم شركة “ليبان بوست”، ثم باع حصّته فيها إلى مجموعة “سرادار” لقاء أسهم في المجموعة نفسها وأصبح شريكاً في الشركة التي تملك “ليبان بوست”، وهي الصيغة التي يتعامل فيها ميقاتي مع العديد من شركاته.
ربما لذلك لم تتحرّك الدولة لمطالبة الشركة بحقوقها، ولم تبادر الشركة إلى دفع تلك الحقوق للدولة، إلى أن انتهى عقد الشركة في العام 2019 بعد تمديد العقد 7 مرات، وحاولت التسلّل عبر طلب التمديد لها 12 سنة إضافية، إلا أن مجلس الوزراء رفض طلب “ليبان بوست” تمديد العقد معها، وقرّر تمديده لفترة ثمانية أشهر إضافية تنتهي في 31 أيار 2023، من أجل تسوية الحسابات العالقة بين الدولة وبين الشركة، في انتظار البت في وضعية قطاع البريد. لكن الحكومة، وقبل أن تتحوّل إلى تصريف الأعمال، عادت وأطلقت مزايدة عامة، من خلال وزارة الاتصالات، في 18 تشرين الأول الماضي 2022، على أن تُفضّ العروض في 24 كانون الثاني 2023، أي بعد نحو أسبوع.
هنا برزت إشكالية حق “ليبان بوست” المشاركة في هذه المزايدة، قبل حصولها على براءة ذمّة من الدولة اللبنانية، وهو ما فعلته الحكومة في جلسة انعقدت تحت عنوان “البنود الملحّة” في 5 كانون الأول 2022، والتي قاطعها وزراء “التيار الوطني الحر”، حيث منحت الحكومة شركة “ليبان بوست” براءة ذمّة و”مخالصة” عن السنوات الممتدّة من 2001 حتى 31/12/2019، بناء على اقتراح من وزير الاتصالات جوني قرم استناداً إلى أن الشركة أودعت شيكين في وزارة المالية بقيمة 13.733 مليار ليرة و1.545 مليار ليرة، وهي المبالغ التي افترض الوزير أنها متوجبة بذمّة الشركة للدولة، ليسمح لها بذلك المشاركة في مزايدة تلزيم قطاع البريد ومتفرعاته لمدة 9 سنوات جديدة، بدل محاسبة الشركة على مخالفاتها وارتكاباتها!
لكن المفارقة، أن الدولة لم تحصل فعلياً عن عمل الشركة 18 سنة إلا على مبلغ 1.545 مليار ليرة فقط (بحدود 30 ألف دولار، بينما كان يساوي عند استحقاقه على الشركة نحو مليون دولار!)، لأن الشيك الأول بقيمة 13.733 مليار ليرة عادة ودفعته وزارة المالية إلى الشركة “بدل اشتراكات قديمة لإدارات ومؤسسات عامة”!
المفارقة أيضاً، أن “ليبان بوست” كانت ادّعت على الدولة اللبنانية للمطالبة بتعويضات، وعندما صدر تقرير ديوان المحاسبة حاولت سحب الدعوى إلا أن هيئة القضايا في وزارة العدل أصرّت على المضي قدماً بها لتبيان أحقية الدولة في التعويض لا العكس.
وتنصّ المادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل على أنه “لا يجوز للإدارات العامة التابعة للدولة إجراء المصالحات في الدعاوى العالقة أمام المحاكم والتي يكون للدولة علاقة بها إلا بعد موافقة رئيس هيئة القضايا ومدير عام وزارة العدل، وتعتبر باطلة كل مصالحة تعقد خلافاً لهذا النص”.
هذه المادة تعني أن قرار مجلس الوزراء بإبراء ذمة الشركة و”المصالحة”، باطل. لكن وزير الاتصالات جورج قرم يعتبر أن موجبات هذه المادة محصورة بالدعاوى الجزائية وليس الدعاوى المدنية غير المنتهية.
وعليه، يبدو أن “ليبان بوست” دخلت المزايدة، وسيتم فض دفاتر الشروط في 24 كانون الثاني الجاري، إذا لم يطرأ ما يعيق هذا الأمر، وبذلك يكون رئيس الحكومة قد حقق هدفه بالتجديد لهذه الشركة “المحظية”، خصوصاً بعد أن بادر للدفاع عن نفسه بتقديم إخبار على القضاء للتحقيق في ما يتناول الشركة من اتهامات، لكن القضاء لم يقل كلمته بعد.