/ خلود شحادة /
“من برا هالله هالله.. ومن جوا يعلم الله”… مثل لبناني يصف واقع حال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.
لم يسترح المطار الوحيد الذي يصل لبنان بالعالم الخارجي، منذ فترة طويلة، من أعمال البناء والإعمار. بين الحين والآخر، يضجّ بأصوات الاحتفالات والتصاريح المهنئة بافتتاح مبنى جديد.
مبان على “مد عينك والنظر”، أشكال هندسية متنوعة، ولوحة فنية هندسية تشاهدها في الطريق الى حرم المطار، فيرتفع سقف التوقعات، قبل صدمة الواقع المرير داخل أروقته!
غاب عن ذهن المشيّدين، وجمعيهم معنيون، أن الغطاء اللامع، لن يخفي الداخل المهترئ.
يفتقر مطار بيروت اليوم، إلى تغذية مستدامة بالكهرباء، فتتم تغطية النقص الحاصل عبر الاستعانة بالمولدات الكهربائية، والتي تعتبر بديلاً فاشلاً لكهرباء الدولة التي من المفترض أن تكون بلا انقطاع. فما هي آثار الاعتماد على المولدات؟
أولاً، عانى المسافرون والواصلون إلى لبنان، من انقطاع التكييف خلال فترة الصيف، بسبب عدم تحمل المولدات تشغيل التكييف، وفي “عز الموسم السياحي”، وعندما كانت حرارة الطقس تتخطى الـ35 درجة، مما أدى الى حالات اختناق عدة.
ثانياً، تشكل المولدات الكهربائية خطراً حقيقياً على سلامة المطار والمسافرين، بدءاً من انقطاعها فجأة، مما يجعل الملاحة الجوية في خطر. بالإضافة الى احتمال انفجارها بسبب تحميلها أكثر من طاقتها، وهذا ما سبق أن أشار إليه وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال علي حمية.
أزمة الكهرباء هذه، جعلت المطار يغرق في العتمة الشاملة لساعات، وبالتالي انعكس ذلك سلباً على حركة الذهاب والإياب فيه.
وفي ملف المطار الحافل بالأزمات، هناك من لم يلتفت الى النقص الكبير في الكادر البشري بين موظفي المطار، مما أدى الى تقديم أدنى جودة خدمات بخلاف مطارات العالم، في أوج الموسم السياحي اللبناني. توالت الشكاوى من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والوسائل الإعلامية حول المماطلة والتسويف بإنجاز المعاملات، والانتظار الطويل داخل أروقة المطار، مما يستنزف الكثير من الوقت.
هذا النقص كان واضحاً، خصوصاً أن صرخة الموظفين كانت قد علت، مطالبين بتصحيح أجورهم وتحسين وضعهم المعيشي في ظل الأزمة الاقتصادية التي طرقت أبواب كل اللبنانيين، واستشرست بحق موظفي القطاع العام.
أضف الى كل ما سبق، أن الوجهة والواجهة الجوية اللبنانية الوحيدة، كانت تفتقر للنظافة حتى، حيث اشتكى المسافرون والقادمون إلى لبنان، من الأوساخ “المزمنة”، بحسب توصيفهم في الحمامات التابعة للمطار.
أما اليوم، فقد شهد المطار على حفل افتتاح مبنى جديد لخطوط طيران الشرق الأوسط، حضره رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى جانب وزير الأشغال علي حمية، ورئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت.
احتفال، تغنّى فيه ميقاتي بالأرزة المسافرة على جناح “الميدل ايست” لتصل لبنان بالمغتربين والسياح. وتناسى ميقاتي، أن المطار المهترئ، بحاجة لما هو أكثر من تغنّي، وتصفيق وتشجيع، بحاجة لتحرك حقيقي، ينقذ المرفق الجوي الأوحد في لبنان، حتى لا ينعزل هذا البلد جوياً أيضاً، كما هو الحال سياسياً، عن محيطه الخارجي.
“شلنا من قاموسنا كلمة ما خلّونا”، هذه الجملة التي أعرب من خلالها الحوت عن مثابرته لإنشاء المبنى. لكن هذه العبارة تطرح سؤالاً منطقياً: هل الواقع المالي للشركة يسمح بإنشاء هذا المبنى الذي ترتفع تكلفته حتماً نسبة لمواصفاته؟
والسؤال المشروع أيضاً، ما هو مدى حاجة المطار إلى هذا المبنى في الوقت الذي يفتقر فيه لأبسط مقومات صموده، خلال أشدّ أزمة اقتصادية تعصف بالبلد؟
الواضح، أن الأزمة لم تغير شيئاً في السياسات الفاشلة المعتمدة من قبل الدولة، وما زالت تغرق بالقشور المتينة، متناسية اللب الهشّ والمتهالك. وما زال المسؤولون يغرقون بوهم الإنجازات. ولكن الأوقح من ذلك كله، أنهم يريدون للشعب أن يقتنع، ويرحّب، ويصفّق لهذه الأوهام، بينما هو يحتسب وزن ربطة الخبز اليوم ليوزعها على أفراد عائلته!
مبنى جديد في مطار متهالك على صعيد الخدمات، لن يضيف شيئاً للسياحة ولا للمسافرين، سوى أن كلفة بنائه هي أقرب إلى التبذير في زمن الشحّ المالي!