في لبنان.. قلق غربيّ من فوضى أهليّة

يبقى حديث الساعة لدى الغربيين في بيروت، الخوف من تدهور الوضع الاجتماعي نحو فوضى أمنية مسلّحة لأسباب اقتصادية – نفسية، مع وجود عدد من الأسباب المحليّة لاندلاع صراعات أهلية، على خلفيات مناطقية وطائفية وسياسية والصراع على الموارد والمصالح الضيّقة، مع انحسار تأثير الدولة.
وتأتي هذه المخاوف، بعدما تبيّن أيضاً للغربيين أن القوى السياسية اللبنانية الرئيسية غير مستعجلة لحلّ أزمة الفراغ الرئاسي والحكومي أو فرملة الأزمة المالية – الاقتصادية، حتى إن لم تكن ممثّلة ومطمئنة لحصتها من السلطة المقبلة. ويترافق الفراغ مع صعوبة حصول حركة شعبية في الشارع مشابهة لهبّة 17 تشرين، رغم تعاظم الانهيار الاقتصادي ووصول غالبية اللبنانيين إلى مستويات خطيرة من الفقر، ما يعزّز استخدام السلاح والأعمال الجنائية كوسيلة للتعبير الاجتماعي عن الغضب واليأس والسّعي وراء الموارد.
كذلك يتعزّز هذا الهاجس، مع إدراك الغربيين صعوبة الاستمرار في تمويل وجود النازحين السوريين في لبنان وتصاعد المنافسة بين اللبنانيين والسوريين وشحّ الموارد وازدياد التحريض السياسي ضد النازحين. وفي الوقت نفسه، يحاول الغربيون التكيّف مع وجود قرار أميركي بخنق سوريا، واستخدامها ساحة إضافية للتأثير على روسيا وإيران وتركيا. لكن لا تزال التقديرات الأوروبية تجاه الساحة السورية دون المستوى الحقيقي لحجم الأزمة، ودون تقدير أن وقوع سوريا على عتبة اهتزاز اجتماعي كبير، سيراكم أزمة النزوح في لبنان ويسهم في إشعال موجات لجوء جديدة نحو القارة الأوروبية.

هذه الرؤية الأمنية تصطدم بالواقع السياسي الأوروبي، إذ يعترف أكثر من مصدر غربي لـ«الأخبار» بصعوبة اتخاذ قرار سياسي يتحدّى القرارات الأميركية، بخصوص سوريا تحديداً والنازحين السوريين في لبنان، ووجود أعداد إضافية من اللبنانيين والسوريين الذين تضيق بهم السبل. فضلاً عن أن بعض دول أوروبا، ولا سيما ألمانيا، لا تمانع حضور لاجئين جدد إلى الأراضي الأوروبية، شريطة أن يستوفوا «معايير الإنتاجية» والمواصفات العمرية، بخلاف ما تحمله «مراكب الموت» من هجرة عشوائية.
من هنا، يجد الغربيون مع كل هذه المخاطر، أن الاستثمار الناجح الأفضل هو الاستمرار في دعم الأجهزة الأمنية والجيش وتعزيز القوى البحرية للعب دور خفر الحدود المبكر للشواطئ الأوروبية، واتخاذ إجراءات أمنية إدارية ووقائية لحماية الطواقم الدبلوماسية، أملاً بحلّ قد يطول انتظاره، مع استمرار النّقاش حول ضرورة توجيه جزء من الدعم المالي المخصّص للبنان والمنظمات الحكومية نحو الدولة، أو ما تبقّى منها.