/ جورج علم /
أطلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عشيّة الميلاد، معايداً اللبنانيين “بتغيير الطبقة السياسيّة”.
- لماذا؟
- الرئيس “قرفان”. شركة “توتال” ليست على أفضل حال في لبنان، والذنب ليس ذنبها، إنها على أتمّ الجهوزيّة، لكنها بحاجة إلى ضمانات سياسيّة يُعتمد عليها لتبدأ أعمالها، وفقاً للمواعيد المحددة في أجندتها للعام 2023.
بعض الأوراق بحاجة إلى جلسة لمجلس الوزراء لإقرارها. الرئيس نجيب ميقاتي وعد ماكرون بتيسير الأمور. للرجل طموحات، ومصالح، وهو في النهاية رجل أعمال ناجح، ويعرف من أين تؤكل الكتف، فضلاً عن أن الظرف السياسي يسمح له بزيادة مداميك النفوذ والصلاحيات إلى رئاسة الحكومة، كي تتحوّل إلى أعراف يُبنى عليها مستقبلاً.
جبران باسيل يعرف القطب المخفيّة، موقفه من جلسة مجلس الوزراء، أبعد من “حقوق المسيحييّن”، ومن التفريط “بدور، وصلاحيات رئيس الجمهوريّة”، ومن الحرص على “موازين القوى” في ظلّ الإختلال العميق الذي يصيب التوازنات الداخليّة، ليس فقط من طرف السلاح، وفائض القوّة، بل من أطراف أخرى “تعربش”على أكتاف الدستور، والقوانين المرعيّة، لتفرض بدورها فائض قوّة من نوع آخر، وأعراف جديدة لا يمكن التنكر لها، أو القفز من فوقها في المستقبل.
والرجل في نهاية المطاف، هو مهندس ناجح، ورجل أعمال واسع الأفق، ويشكّل ملف النفط، والغاز، جزءاً مهماً من نشاطه، وأولويّة تتقدم عنده على أولويّة إنتخاب رئيس، إلاّ إذا كان هو شخصيّاً الرئيس، أو شخصية أخرى مؤهلة للتفاهم معها على “الأبجديّة النفطيّة” من “طقطق.. إلى السلام عليكم”.
ويرفض باسيل عقد جلسة لمجلس الوزراء، إلاّ وفق شروطه، لضمان مصالحه. يملك الرجل لجام الفرس، وبدأ منذ اليوم الأول الذي عيّن فيه وزيراً للطاقة، بإعداد ملفّه ورقة بعد ورقة. ومدماكاً فوق مدماك. لعب دوراً محوريّاً في عمليّة الترسيم، وبنى جسوراً من التواصل، الأول مع الأميركي آموس هوكشتاين. والثاني مع دولة قطر. والثالث مع “توتال”. وفي حوزته ملف متكامل من العناوين، إلى التفاصيل. لذلك هو حريص بأن لا تمر شاردة، أو واردة، إلاّ يكون له منها حضور فاعل حتى لا تترك الأمور على عواهنها لرئيس الحكومة كي يدبّر، ويتدبّر.
ويلّم الرئيس ماكرون بتفاصيل الرواية. تجربته مع هذه الطبقة السياسيّة مخزية، بعض قادتها أجلاف، خذلوه في الأول من أيلول عام 2020 عندما طرح عليهم مبادرة في قصر الصنوبر لإنقاذ لبنان من جهنّم، وعندما غادروا المكان لحسوا تواقيعهم. وهو قلق الآن من إستهداف المصالح الفرنسيّة الحيويّة، ليلدغ من الجحر مرّتين.
- ويبقى السؤال: هل يقدم، أم أن ما أعلنه مجرّد فشّة خلق؟!
- التغيير في لبنان ممكن من خلال الآليات الديمقراطيّة. والمرحلة اليوم هي مرحلة تغيير، وقد بدأت في 15 أيار الماضي عندما انتخب اللبنانيّون نوابهم، بعد ذلك تمادى العجز، لا حكومة جديدة. لا انتخاب رئيس للجمهوريّة، لا تغيير في وجوه الإدارة، والنظارة، بل بحث عن صفقات تنتجها مساومات تحت شعار التسويات التي لم يهلّ هلالها بعد.
- التغيير “الثوري” مستحيل. إنتفاضة 17 تشرين انتهت إلى مجاهل الفئويات، والعصبيات، والتناقضات.
- التغيير “المرقّط”، لا سوابق له.
والمثير حقاً، وكأن الرئيس الفرنسي، لا قال، ولا نطق، فلا تراجيع لصوته في بيروت، ولا صدى، ولا كلمة مأثورة، ولا ردّة فعل بطعم الكرامة، وكأن لا حياة لمن ينادي، والأصح لا إكتراث. وعند المنعطفات الكبرى، تصبح الإحتمالات مفتوحة على خيارات إستثائيّة مكلفة، فالرجل الذي تحدث عن التغيير، جريح، مكلوم بكرامته، ومعنوياته على المسرح الدولي، وأمام الرأي العام الفرنسي. لا يمكنه أن يتقبل هزيمة قصر الصنوبر. لا يمكنه أن يطرح مبادرة على هذه الطبقة، وتتقبلها، ثم تخرج من مجلسه لتضعها في خبر كان.
ليس للرجل لسانين، ومقاربتين للأمور. ما قاله في قصر الصنوبر لم يمر عليه الزمن. مرّ الزمن على لبنان واللبنانيين، فطحنهم، وتركهم إرباً، وأشلاء، لكن كلامه باق، ومبادرته حيّة، وكرامته من كرامة فرنسا، لا من كرامة بعض السياسيين المغلّفة بالورقة الخضراء! التغيير الذي تحدث عنه نابع من خلفيات ثلاث:
الأولى، إن ملف لبنان على مكتبه، وفي جعبته أينما حلّ، وارتحل. إنه صاحب معرفة، وهمّة، وطالب مبادرة متى أينعت، سيكون في طليعة المروّجين لها.
الثانيّة، إن التغيير الذي تحدث عنه يعاني من عجز في الداخل، لكنه مبوّب في متن المبادرات التي يزداد الضجيج حولها في مطابخ بعض عواصم دول القرار.
الثالثة، إن سياسة الذل مبرمجة، ومطلوبة كي يتمكن الخارج من أن يحيك الثوب على قياس مصالحه، ويلزم اللبنانييّن بإرتدائه، من دون أن يكون لهم أي قدرة على الرفض، والاعتراض، حتى ولو عاد بهم إلى زمن الطرابيش!
ربما لم يصل اللبنانيّون بعد إلى مرحلة الإستسلام المطلق، لكن لدى بعض الدول “الصديقة” مشاريع جاهزة، تريد أن تفرضها في أي تسوية حول وظيفة هذا الوطن، والدور الذي سيسند له في ظل المتغييرات الجيو ـ سياسيّة التي يشهدها الشرق الأوسط، من بينها تصفية قضيّة اللجوء الفلسطيني، وقضية النزوح السوري، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ووضع اليد على غاز لبنان، ونفطه.
وقبل التغيير الذي طالب به ماكرون، “بشّرت” مساعدة وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف بأن “البرلمانيين أنفسهم سيحزمون حقائبهم، ويسافرون إلى أوروبا حيث ممتلكاتهم”!