/ خلود شحادة /
قرقعة “المتّي”، وأصداء المونديال، عزلت “وليد بيك” عن أصوات النواب في الجلسات العشر في مجلس النواب.
يجلس وليد جنبلاط في قصر المختارة مكتفياً بنفسه كمشجع بالمونديال، ومحتفلاً بفوز “فريقه” الأرجنتين بكأس العالم، بدل أن يكون لاعباً أساسياً.. أو حكماً!
وبخلاف معظم الاستحقاقات السابقة، فإن المشهد الرئاسي الحالي ينقصه وليد جنبلاط، ربما لأنه يشعر أنه لا يمتلك القدرة على التأثير في الميزان، وأنه خسر موقعه ودوره التاريخي كـ”بيضة قبّان” في المعادلات الداخلية.
يَغيب وليد جنبلاط، أو يُغيّب.. في الحالتين، الـ”puzzle” اللبناني تنقصه قطعة، ولذلك تبدو الصورة الرئاسية في طور التركيب.
ليس من السهل تخيّل انتخاب رئيس الجمهورية، من دون أن يكون لوليد جنبلاط، تحديداً، رأي ودور.
هنا يقدم “البيك” مؤشراً على أنّ انتخابات الرئاسة لم يحن أوانها بعد، ويجلس على مقعد الاحتياط، في انتظار نزوله الى الملعب ليكون في “خط الوسط”، لاعباً أساسياً، “يمرر الكرة” إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كي “يسدّد الهدف” بانتخاب رئيس للجمهورية.
في الحكومة، كما في الرئاسة، يكتفي جنبلاط بالـ”فرجة”، ويعزل نفسه عن الاشتباك القائم بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، مع أنّ قلبه يميل إلى ميقاتي، لكن حسابات الجبل و”تمرير المرحلة”، و”ضغط الظروف”، وتأخر الحسم، يدفعونه للتراجع خطوة إلى الوراء عن “خط تماس” الاشتباك الحاصل.
هنا، يمارس وليد جنبلاط سياسة “النأي بالنفس” الظاهر، وإن كان يدعم فعلياً حليفَيْه، بري وميقاتي، ويراهن على عامل الوقت لانتخاب رئيس للجمهورية والخروج من هذا الاشتباك بأقل قدر ممكن من الخسائر، وربما بأرباح. لكنه في واقع الأمر، عاجلاً أم آجلاً، سيجد نفسه مضطراً لحسم موقفه علناً.
عملياً، ينظر وليد جنبلاط إلى رقعة الشطرنج الرئاسية، يستعرض الأسماء، ويعرف أن القرار في النهاية باختيار أحدهم سينزل عليه بالـ”باراشوت”، لكنه يحاول وضع كل إسم في ميزان.
بالنسبة له، لا يرغب سليمان فرنجية، لكنه لن يقف عائقاً بوجه انتخابه.
لا يحبّذ العسكر، لكنه قد يضطر الى التصفيق لجوزاف عون، إذا ما رَسَت قرعة الرئاسة الخارجية عليه، وقد فعلها سابقاً مع ميشال سليمان.
يحبّذ جنبلاط رئيساً من طينة أخرى، لا تكون بعيدة عن بيئته السياسية والجغرافية، والأسماء من هذه البيئة على رقعة الشطرنج، عديدة.
في قناعة جنبلاط، أن لعبة الشطرنج ما زالت راهناً في مرحلة حركة “البيادق”، وبالتالي فإنّه غير مضطر إلى كشف خطوطه الخلفية ومكنوناته الرئاسية، في مرحلة حرق الأوراق. ويمارس، بالتالي، لعبة الآخرين نفسها، لكنه هذه المرة متلقي أكثر مما هو فاعل، وينتظر التوقيت المناسب، ليزيد في “وزنته” على الميزان.
وعليه، يفوّض جنبلاط، كالعادة، حليفه الدائم الرئيس نبيه بري، بلعب الأوراق الرئاسية، لكنه لم يسلّم كل أوراقه.
ربما أكثر ما يميّز علاقة بري وجنبلاط، هي حالة التماهي الكبيرة التي تجمع بينهما، والتي لم تتعدّ مساحة التمايز الخاصة بكل طرف، عند الاستحقاقات التي قد يختلف فيها الطرفان لأسباب خاصة، من دون أن يؤثر هذا التمايز على متانة العلاقة وعمقها واستمراريتها، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة.
جنبلاط اليوم جاهز للمناورة مع نبيه بري، ومطمئن إلى إدارة بري لهذا الاستحقاق، وفي الوقت عينه يرسل إشارات ورسائل وموفدين في أكثر من اتجاه، وليست بكركي بعيدة عن عقل جنبلاط.
كعادته، يلعب جنبلاط دور الزئبق السياسي، حيث يعمل على أن يكون نقطة عبور، وليس حاجز خلاف في الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يشير إلى مرونة متوقعة، سيتعامل بها مع الرئيس المقبل، بغض النظر عن اسمه، طالما أنه “غير مستفز” بميزان جنبلاط.