السلم الأهلي “يرمش” في رميش!

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

من حين إلى آخر تقفز بلدة رميش الجنوبية، الواقعة في الشريط الحدودي، إلى دائرة الأضواء والاهتمام، ربطاً بإشكالات عقارية، لا تلبث ان تتخذ البعد الطائفي والسياسي الذي لا يعكس في رأي المطلعين جوهر المشكلة وحقيقتها.

على رغم انّ الملف هو في طبيعته الأصلية «تقني»، الّا انّه تحوّل مادة ملتهبة ساهمت في تسعير الاحتقان الداخلي، بفعل تعدّد «الأيادي» التي امتدت اليه وتدخّلت في مجرياته، فتجاوز إطاره الطبيعي وصار يشكّل تهديداً للعيش المشترك الذي صمد خلال أصعب الظروف في تلك المنطقة، قبل أن يهتز في أيام السلم الأهلي المفترض على وقع الهواجس، المشروعة منها وغير المشروعة.

ومن المعروف انّ جمعية «أخضر بلا حدود» التي تنشط على المستوى البيئي في الجنوب، تتولّى استصلاح الاراضي وتشجيرها، انطلاقاً من الاتفاق مع أصحابها على استئجارها لفترة محدودة، يُعاد بعدها تسليم تلك الاراضي إليهم في حلّتها الجديدة. كذلك، يسجَّل تعاون من هذا النوع بين الجمعية وعدد من البلديات في ما خصّ المشاعات.

وتركّز الجمعية في نشاطها على أولوية زرع الأشجار في الجنوب ومنع قطعها، علماً انّ الامين العام لـ»حزب الله» كان قد أطلق من قبل مشروع المليون شجرة، فيما يوجد لدى الحزب جهاز متخصّص بإطفاء الحرائق لحماية الأحراج، في إشارة إلى الأهمية التي يوليها لهذا الأمر، اولاً بسبب مردوده البيئي، وثانياً بفعل فائدته اللوجستية للمقاومة في حال اندلاع اي مواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي.

واللافت، انّ الكيان الاسرائيلي كان قد أبدى انزعاجه من دور الجمعية التي يتهمها بأنّها واجهة لـ»حزب الله»، وسبق له ان اشتكى منها وعليها في رسالة وجّهها الى الأمم المتحدة.

وتؤكّد اوساط جنوبية مواكبة لهذا الملف منذ بداياته، انّ ما تفعله الجمعية في منطقة رميش لا يتجاوز حدود التشجير واستصلاح الاراضي، من دون أي أبعاد سياسية او طائفية، «مع الإشارة الى انّ زرع الأشجار يتطلب احياناً استحداث خيم وجرف الارض تمهيداً لإعادة تأهيلها».

ولكن بعض أهالي رميش اعتبروا انّ «أراضي وأملاك البلدة تتعرّض إلى استباحة وتعدّيات وتهديد لبعض المالكين من قِبل قوى الأمر الواقع في المنطقة»، لافتين إلى انّ «هذه القوى تقوم بجرف مساحات واسعة من اراضٍ تعود ملكيتها إلى أشخاص من البلدة وباقتلاع أشجار وعمل إنشاءات، واستعمال معدات ثقيلة للحفر».

وما لبثت جهات وشخصيات مسيحية عدة، في طليعتها «القوات اللبنانية»، ان دخلت على الخط بقوة، متهمة «حزب الله» بمحاولة «الاستيلاء على أرض الآباء والأجداد وتغيير هوية المنطقة»، وفق ما تضمنه بيان «قوات» بنت جبيل.

لكن الاوساط الجنوبية الملمة بتفاصيل العلاقة بين رميش ومحيطها، تنبّه إلى انّ هناك محاولة لتضخيم الأمور واعطائها حجماً غير واقعي، في سياق حسابات انتهازية، لافتة إلى انّ الخلافات العقارية موجودة أيضاً بين بلدات شيعية عدة في الشريط الحدودي، «والمسألة لا تتعلق حصراً برميش وجوارها حتى يجري إلباسها لبوساً طائفياً ليس لها».

وتحذّر الاوساط من مخاطر التحريض المعتمد، والذي من شأنه الإضرار بمصالح سكان البلدة وبعلاقتهم مع جيرانهم، مشدّدة على انّ العمق الطبيعي والتلقائي لرميش، اقتصادياً واجتماعياً وجغرافياً وأمنياً، انما يكمن في البلدات المجاورة وليس في معراب او غيرها، «وهي يجب أن تبقى على تفاعل ايجابي مع محيطها، كما كانت دائماً، أما التقوقع فلا يفيدها ولا يخدم العيش المشترك».

وتؤكّد الاوساط، أنّ العلاقة مع أغلبية سكان رميش ممتازة، «ولطالما كان هناك حرص من المكونات الأخرى في المنطقة على احترام خصوصيات البلدة ومعاملة ابنائها كما يستحقون وأكثر، وهذه التجربة ينبغي أن تكون موضع حماية وتحصين».