/ خلود شحادة /
على مشارف الميلاد المجيد، عاش اللبنانيون أملاً سرعان ما تلاشى، بأن يحمل ميلاد المخلص معه خلاص لبنان، عبر انتخاب رئيس، أو بالحد الأدنى الاتفاق على اسم رئيس للجمهورية، لملء الفراغ الذي يُحمّل وزر كل الجمود الحاصل.
دخل البلد في العطلة، واعتبرت جلسة مجلس النواب، الخميس، لزوم ما لا يلزم، بعد أن أُسقط الحوار، الذي كان دعا إليه رئيس المجلس نبيه بري.
صحيح أن الحوار لم يكن ليوصل إلى اتفاق على اسم رئيس، لكنه كان سيؤدي إلى تخفيف التشنج، ومنعه من التمدد الى الشارع المهيّأ أصلاً.
وبحكم الواقع، بدا أن اللبنانيين، بانتظار أن يدخل عليهم “بابا نويل” من مدخنة “صنعت في الخارج”، حاملاً معه رسالة تتضمن اسم الرئيس المقبل.
وظهر أن اللبنانيين مستسلمون لمشيئة التفاوض الخارجي وتسوياته، التي ترسم صورة الرئيس المقبل، وتسميه، ومتصالحون مع ذاتهم بأنهم وان كان لبنان ليس على سلّم أولويات الدول “المقررة”، إلّا أنّ هذه الدول تمنع أيضاً أي خطوة داخلية باتجاه الحل تحت مبدأ “لا بيرحموا ولا بدّن الرحمة الداخلية تنزل”.
لكن، في قراءة المشهد الخارجي، لا شيء يوحي أن الطريق معبّدة، أقله في المدى المنظور، لعقد تسويات معقّدة، تتداخل فيها حسابات المصالح والاستراتيجيات، من واشنطن الى طهران والرياض وموسكو وباريس. فضلاً عن تداخل الغاز وشركاته ومكاسبه، مع الحسابات السياسية.
وفي ملامح التعقيدات يطلّ التصعيد السياسي، الذي يبدو أنه أخذ جرعة خلال الأيام الماضية، على مستوى المنطقة ولبنان من ضمنها.
ثمة صدفة أدت إلى تزامن التهديد الإسرائيلي بقصف مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وسوق الاتهامات باستخدامه من إيران، مع استمرار المراوحة في مفاوضات اليمن، ونبش الملفات في أميركا اللاتينية، والتذكير بعقوبات للخزانة الأميركية.
وهذه الصدفة “غير البريئة”، تدفع الى عدم الفصل بين هذه العناوين، عن مواقف لبنانية عطّلت الحوار، ومنها موقف “القوات اللبنانية”، تماماً كما عطّلت سابقاً قبل أشهر فكرة الحوار السويسري.
ما حصل في الأشرفية، واللغة التي تعبر عن “كونفدرالية” مقنعة، يعمل البعض على جعلها أمراً واقعاً. مروراً بالاشتباكات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا يمكن الاستهانة بها. وصولاً الى ما حدث مع قوات “اليونيفل” جنوب لبنان، التي تستفز بين الفينة والأخرى سكان المناطق الحدودية، ببعض الحركات، مما يؤدي الى توتر العلاقة، وبالتالي توتير الشارع الجنوبي.
على هذا الأساس، يمكن التكهن اليوم، أن الحراك الجاري خارج لبنان، ما زال في المربع الأول، الذي يتضمن البحث في ملامح الرئيس المقبل للجمهورية، مع علمهم بكل الظروف الملحّة التي تستدعي الاستعجال في تسمية الرئيس وانتخابه، وعلى الرغم من التداول ببعض الأسماء وفي مقدمها اسم قائد الجيش جوزاف عون.
الأكيد أن طرح أي اسم من الخارج، في هذا الوقت المبكر على بدء التفاوض يؤدي الى واحد من أمرين:
اما حرق الاسم، وامّا الى زيادة الأثمان التي ستدفع لقاء التسهيل أو القبول بهذا الاسم أو ذاك.
حتى اليوم، يبدو أن بازار الأسماء المرشحة مستقر، في مثلث سليمان فرنجية – جبران باسيل – جوزاف عون. وليس هناك من مؤشر قريب، على أنّ الخروج من هذا المثلث سهل في الوقت الحاضر.
رئيس “المردة”، ما زال يعتبر نفسه مرشحاً، ويعمل لرفع منسوب القبول به، مع الدول المؤثرة، على قاعدة أن هذا الأمر سيفتح الباب أمام قبول أطراف أخرى في الداخل اللبناني.
رئيس “التيار الوطني الحر”، لم يقفل الباب أمام احتمال ترشيحه، وهو يعتمد تكتيك احراق ترشيحات الآخرين، والرهان على عامل الوقت، لتغيير الواقع الحالي بما يخدم ترشيحه.
أما قائد الجيش، فهو يدرك أن انتقاله من اليرزة الى بعبدا، بسيارة الدعم الخارحي، يحتاج إلى تعبيد طريق من الضاحية.
هنا يبدأ النقاش حول ركائز حظوظ المرشحين الثلاثة، وهو ما يكشف أن الأمور ما تزال في مرحلة تحضير مكونات الطبخة الرئاسية، لكن هذه المكونات لم تكتمل لوضع الطبخة على النار.
وقد يؤدي هذا إلى سقوط الأسماء الثلاثة، لتبدأ رحلة أخرى، بحثاً في لائحة الأسماء، عن مرشح تكون لديه المواصفات التالية:
قبول من القوى المسيحية، بما يعني تبني ترشيحه من واحدة من القوتين المسيحيتين.
ـ مباركة بكركي للترشيح
ـ القبول الدولي باسمه
ـ موافقة المكونات الإسلامية على ترشيحه
ـ يطمئن “حزب الله” إليه
ـ يستطيع التعامل مع الأزمة الاقتصادية، والقيام بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد والمجتمع الدولي.
وفق كل هذا المشهد، يبدو أننا أمام فترة طويلة من الانتظار المقلق، الذي يفتح الباب أمام الفوضى وفقاً للسيناريو الأمني الذي رسمته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.