“حزب الله”.. الرابض فوق متاهات مجهولة!

/ جورج علم /

يبقى لـ”حزب الله” دور، ومكانة، ورصيد في الإستحقاق الرئاسي. كان صانع الرؤساء مع العماد ميشال عون. هل هو كذلك اليوم؟ إنه أمام امتحان. امتحان مع نفسه، وبيئته أولاً، قبل أن يكون مع الآخرين.

يقول إنه راسخ على أرض صلبة، ومن موقع القوّة، والنفوذ، والاقتدار. هذا ما تشي به مواقف بعض كباره، وبعض المقربين. وقد يكون في هذا شيء من المبالغة المستندة إلى فائض القوّة، إلا أن موقعه اليوم محاصر بغيوم داكنة، وأبوابه مشرعة على عواصف تحمل الكثير من الغبار التي تحجب الوضوح.

  • ما يجري في الداخل الإيراني يعنيه بالمباشر. لم تعد الإحتجاجات في الشارع متطابقة والمواصفات التي يروّج لها الإعلام الرسمي. والقصة لم تعد “رمانة”، بل “قلوب مليانة”، والدليل أن التحوّل في الشارع بدأ يحدث تحوّلاً داخل بيئة صنّاع القرار، ولدى حرّاس النظام، أكانوا من المحافظين، أو الإصلاحيين. بالطبع لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، ولكن بالتأكيد أن ما يجري يشغل الحزب، لا بل يقلقه بعض الوميض المشرقط من مؤسسات النظام، والذي ينبىء بأن العلاج عن طريق القمع، قد فقد مفعوله، ولا بدّ من خريطة طريق جديدة.
  • ما يجري في داخل الكيان الإسرائيلي، يعنيه بالمباشر. عودة بنيامين نتنياهو على رأس اليمين المتطرف إلى موقع القرار في تل أبيب، تؤشر إلى عمليّة خلط أوراق واسعة، وعواصف حذّر منها وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن الأحد الماضي عندما التقى وفداً يمثّل مجموعة ضغط أميركيّة يساريّة مساندة للكيان الإسرائيلي “جاي ستريت”. وأكد رفض إدارته “العودة الى سياسة توسيع الإستيطان الإسرائيلي، وضم الأراضي في الضفة الغربيّة المحتلة، والقيام بأعمال تقوّض آفاق حل الدولتين، وإحداث تغيير في الواقع التاريخي القائم للمواقع المقدسة”.

الأخطر، أن نتنياهو ـ كما ورد في مقالات وتحليلات غربيّة ـ سيكشف تباعاً أوراق التنسيق والتعاون ما بين الحزب، وقادة “حماس”، و”الجهاد الاسلامي”، والعديد من الفصائل الفلسطينيّة الثوريّة، والتي لها حضور ونفوذ في بعض مخيمات لبنان.

وربما الحزب منشغل الآن في إعداد الجواب على سؤال بدأ يحاصره: ماذا لو صعّد نتنياهو في الضفة، والقطاع، واتسعت رقعة المواجهة، هل سينخرط فيها؟ أم ينأى بنفسه، ويلتزم الحياد؟ وهل سيفرض أجندة جديدة على الداخل اللبناني؟ الجواب عنده، لكن بالتأكيد ليست كل الخيارات متاحة، ومباحة، لأن هناك الكثير من الحسابات المغايرة في أكثر من موقع، ومكان.

  • ما يجري في الداخل اللبناني، يعنيه بالمباشر. والمسألة لا تقتصر هنا على الاستحقاق الرئاسي، وماذا يريد وماذا لا يريد؟ وما هي الاستراتيجيّة التي يعتمدها، وقد تحدّث الإعلام عن الكثير من جوانبها، لا بل راح يبني أبراجاً عليها، فيها الكثير من الزوايا الرخوة، والشرفات المطلّة على المجهول.

يطالب الحزب بالحوار. لكن ثمّة من يطرح علامات استفهام حول مصير الحوار مع بكركي: أين بدأ؟ وإلى أين انتهى؟ وما هي المواضيع التي تطرق إليها؟ وما هو مقدار نسبة التفاهم والتلاقي في وجهات النظر، وأيضاً نسبة الاختلاف والتباعد؟

قد يقال بأن المجالس بالأمانات، والحوار يبقى ملك أهله إلى أن يصعد الدخان الأبيض من المدخنة. لكن ـ وبصراحة متناهية ـ اكتشف اللبنانيون نوعاً آخر من الحوار مع بكركي، من خلال مواقف صادرة عن مقامات في الحزب، أو عن جهات لصيقة ببيئته، تخوّن بكركي، وتقذفها بأبشع النعوت، والصفات، وتنتقد بالعلن والمباشر مواقف البطريرك، وما يعلنه من أفكار وطروحات في بعض عظاته. ترى هل هذا الحوار المتفلّت من كل ضوابط، هو لدعم الحوار المتكتّم، بهدف الضغط، لتحسين شروط التفاوض حول بعض المواضيع الوطنيّة الحساسة، أم هو نعي له، نظراً للخلاف العميق في وجهات النظر؟

وما فات، ينعش الذاكرة، ويثير الشجون في كل مرّة تبرز فيها دعوة للحوار. صحيح أن الحوار حول الإستحقاق المستحق، وعلى ضرورة قصوى من الإلحاح والصيرورة، لكن لهذه الضرورة مكونات غير متوافرة، أو ناقصة، أو مشكوك بأهدافها، ومراميها. والدليل أن الحزب يبرر الدعوة للتفاهم على الرئيس الذي يرتاح له، ويوفر الضمانة لسلاحه، ومقاومته، وحيثيته، واستراتيجيته في الداخل، والإقليم، وهذا من حقّه، ولكن بالمقابل من حق “السيادييّن”، والتغييرين، والمستقلين، وسائر اللبنانييّن، أن يسألوا الحزب ماذا يريد تحديداً، إنطلاقا من الاستحقاق؟ ماذا يريد تحديداً من النظام، من الميثاق، من الصيغة، من المؤسسات؟ ما هي طموحاته؟ وأي لبنان يريد؟ ليعرف اللبنانيّون ما إذا كان باستطاعتهم أن يمنحوه ما يريد؟! أو لا قدرة عندهم، ولا إمكانيّة، ولا حتى استعداد لتلبية طموحاته؟!

لقد أعطى إشارة مضيئة عندما أعلن بأنه يقف وراء الدولة في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي. كل الأمل والرجاء أن يستمر على هذا الصراط المستقيم، ويقتنع بأن إعادة إصلاح الخلل التاريخي لا يمكن أن يمر بلبنان، لأنه يحوله إلى خبر كان. وأن هذا البلد يحكم بإحترام التوازنات، لا بعرض العضلات.

ويبقى استدراك بليغ: لقد مرّ يوماً كبير من لبنان، الإمام السيّد موسى الصدر بـ”مجمع أنطلياس الثقافي”، ووقف مخاطباً الجموع: “إنها البقعة الجغرافيّة الوحيدة في العالم التي تجمعنا، وتجمع قيمنا المشتركة. حافظوا على هذه القيم، تحافظون على لبنان”.