/ خلود شحادة /
يبتسم جبران باسيل في سره، وينظر “بحماس” نحو مسار الجلسة الحكومية، فاذا بالرئيس نجيب ميقاتي يقدم له خدمة مجانية، ليخوض عبرها باسيل معركة “حماية حقوق المسيحيين”.
المشهد السياسي لم يعد معقداً بخلاف ما يعتقد كثيرون، نجح باسيل في استدراج ميقاتي الى ملعبه. بنظر المسيحيين اليوم، نجيب ميقاتي “يعتدي” على حقوقهم وموقعهم وشراكتهم في النظام والسلطة.
بهذا المعنى، صار باسيل رأس حربة في الدفاع عن هذه الهواجس المسيحية.
لم يستطع بطريرك الموارنة، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن “يبلع” فكرة انعقاد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، على الرغم من صداقته “الخاصة” مع ميقاتي.
ارتبكت “القوات اللبنانية”، وبدت أنها تحاول استدراك نفسها بمشاركة باسيل في معركة “الدفاع عن حقوق المسيحيين”.
العلاقة المستترة بين “القوات” وبين الرئيس ميقاتي، والعلاقة الملتبسة بينها وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، وضعتها في موقف محرج، لكنها في المحصلة لا تستطيع الظهور بمظهر المتخلي عن حقوق المسيحيين، بينما باسيل يخوض المواجهة بسقوف عالية جداً، حتى ولو أدّت إلى اهتزاز اتفاق “مار مخايل”.
أصبحت المواجهة في السر والعلن، وبعناوينها المعلنة والمستترة “مواجهة مسيحية – إسلامية”، يعبّر عن جبهتيها ميقاتي وباسيل، لكنها تضمّ في الخطوط الخلفية معظم القوى السياسية في البلد، وهو ما انسحب الى الشارعين الإسلامي والمسيحي اللذين عبّرا عن هذا الانقسام الحاد بوضوح شديد في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى بلغ حد تشبيه الجلسة في الوسط المسيحي بـ”بوسطة عين الرمانة”.
عملياً، استعاد باسيل زمام المبادرة، على الرغم من خسارته النفوذ الذي كان يمسك بناصيته من بعبدا، خلال السنوات الست الماضية، في عهد ميشال عون.
وعملياً أيضاً، يفرض باسيل ايقاعه الخاص في الفراغ الرئاسي، وأيضاً على إدارة البلد. لكنه أبعد من ذلك، يكرّس معادلة مفادها “أنا الحاكم ولو من الشالوحي”.
في المحصّلة، سيكون لهذا الاشتباك تداعيات كبيرة على البلد والاستحقاقات، وفي مقدمها استحقاق رئاسة الجمهورية. لكن قد يكون الأخطر، أن تنسحب هذه التداعيات على صيغة البلد، وترتفع الأصوات لإعادة النظر بما أفرزه الطائف من توازنات بين الطوائف من خلال المؤسسات الدستورية.
هذا يعني أن الاشتباك الجديد مرشح لأن يطول، وأن يتخذ أوجهاً متعددة، وأشكالاً مختلفة، وبعناوين متعددة، وما اشتباك اليوم الا ضربة البداية التي تؤشر الى أن البلد مقبل على مشهد مليء بالأحداث.
وعلى الأرجح، أن ثاني عناوين الاشتباك سيكون حول شرعية القرارات التي اتخذتها الحكومة، وأيضاً مسألة اجماع الوزراء على التوقيع عليها.
من هنا، فإنّ كل فريق في ضفتي الاشتباك، سيلجأ خلال الأيام المقبلة، الى استخدام ما يملك من أوراق في مواجهة الآخر. لكن ثمة نتائج أولية لهذا الاشتباك، يمكن حصر أبرزها بالتالي:
– ما هو مصير اتفاق مار مخايل، بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، خصوصاً أن المواقف المعلنة من قبل نواب ووزراء وقيادات التيار، أجمعت على توجيه اللوم والانتقاد الى “حزب الله” بسبب مشاركة وزيريه في الجلسة. فهل ستخضع العلاقة بين الحزب والتيار لـ”إعادة نظر”؟ وهل يستطيع التيار فك ارتباطه مع “حزب الله” ليخسر بالتالي آخر حلفائه؟ وهل يستطيع “حزب الله” أن يفك ارتباطه مع التيار ليخسر بالتالي شريكاً مسيحياً بحجم التيار؟
– ما هو تأثير هذه المواجهة على انتخابات رئاسة الجمهورية؟ هل ستؤدي إلى مزيد من التعقيد الذي يمدد الفراغ الرئاسي ويعطل الانتخاب؟ أم أنها ستؤدي الى تسريع الانتخاب، بسيناريو “تكتيكي”.
– ما هو مصير التحالفات والخصومات السياسية التي كانت قائمة قبل المواجهة؟ وهل تغيرت عناوين الانقسامات الحادة في البلد؟ وهل تستطيع القوى السياسية التي تصطف في كلتي الجبهتين تحمل تبعات وأوزار انقسام طائفي جديد في البلد؟
الأكيد، أن الأيام المقبلة ستكون شاهدة على تدحرج الاشتباك، واتخاذه أشكالاً مختلفة، من بينها أن تنسحب الى الشارع… فهل سيحكم الشارع معادلة الرئاسة وينتخب رئيس جمهورية الأمر الواقع لضبط “الواقع الأمني”؟