رغم صُراخٍ من هنا وانتقادٍ من هناك وتسجيلِ موقفٍ من هنالك يسيرُ قطار مجلس الوزراء بهيئة تصريف الأعمال على السكة الصحيحة بلوغاً لجلسته المقررة غداً في السراي الحكومي.
كل ظروف انعقاد الجلسة باتت متوافرة والنصاب العددي والميثاقي مؤمّن على وجه الخصوص.
ما بين سبعة عشر وتسعة عشر وزيراً يمثلون الطَّيْفَ اللبناني سيكونون حاضرين للنظر في جدول أعمال شاء الرئيس نجيب ميقاتي تقليصَهُ إلى خمسة وعشرين بنداً تحمل صفةَ الضرورةِ الملّحة.
سحبُ رئيس الحكومة حوالي أربعين بنداً من جدول الأعمال الأساسي إنما شكل في الواقع سحباً للمزيد من الفتائل والذرائع والحجج التي كان يتستر خلفها بعض القوى لخوض معاركها السياسية.
من هنا جاءت المواقف المعتدلة للبطريرك الماروني التي دعا فيها رئيسَ الحكومة “الذي طالما نأى بنفسه عن الإنقسامات الحادة” إلى أن يصوب الأمور وهو يتحضّر لعقد جلسة مجلس الوزراء غداً.
في المقابل هذا الموقف البطريركي المتزن موقفٌ متصلب للتيار الوطني الحر عَكَسَهُ مؤسّسُهُ الرئيس السابق ميشال عون بإعتباره الجلسة الحكومية غير دستورية وغير ميثاقية متنبئاً أن تحمل هذه الخطوة تداعيات على الإستقرار السياسي في لبنان.
أما الرئيس ميقاتي فقد نفى ما يروّجه بعض الإعلام العوني عن إتصال جرى بينه وبين الراعي بعد عظته اليوم موضحاً أنه اتصل به أمس ومؤكداً أنه يأخذ في الإعتبار هواجس البطريرك وقال ميقاتي أن ما يحاول الإعلام العوني إلباسه للراعي من موقف غيرُ صحيح على الإطلاق.
الكباشُ على أشدِّه بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الداعي لجلسةِ مجلس الوزراء غدًا، وبين معارضي عقدِ الجلسة.
أين استقرت كرة الجلسة؟
هذا المساء أصدر تسعة ُوزراءَ بيانًا أعلنوا فيه عدمَ موافقتِهم وعدمَ قبولهم بجلسة مجلس الوزراء. واللافت في بيانهم أن البنودَ المطروحة ممكنٌ تحقيقٌها ومتوافرٌ دستوريا وقانونا ولا يحتاج إلى مجلس الوزراء.
إذا غاب الوزراء التسعة فهذا يعني تطييرَ الجلسة التي يحتاج نصابُها إلى ستة عشر وزيرًا فيما غياب التسعة يجعل الحضور يتوقف عند خمسة عشر وزيرًا، أي لا نصاب، فهل طارت الجلسة؟
المستشار الإعلامي للرئيس ميقاتي فارس الجميل كشف أن الجلسة قائمة ولا إلغاءَ لها وليتحمَّل كلُّ طرف مسؤوليته، والأجواءُ الحقيقية تؤشر إلى غيرَ ما صدر وإلى أنَّ النصاب قائم.
بين بيان التسعة وموقفِ مستشار ميقاتي، هل هناك ” وزيرٌ ملك ” يعيدُ النصاب؟
الموضوع شائكٌ ومعقد وبلغ مستويات ٍغيرَ مسبوقة في التصعيد: جبهة الرئيس ميقاتي تنفي إمكان إقرار الأموال لمرضى السرطان وغسيلِ الكلى بغير جلسة ٍ لمجلس الوزراء، جبهة الوزراء التسعة تتحدث عن مخرج ٍ دستوري وقانوني من دون جلسة لمجلس الوزراء، لكن لم يحدد البيان ما هو هذا المخرج، لكنَّ المسألة لم تعد مسألة اجتهاداتٍ دستورية ٍوقانونية بل أصبحت في مكان آخر، فمَن سيرضخ لمَن؟ ومَن سينكسر لمَن؟ ما هو موقفُ “ضابط الإيقاع”، حزب الله؟
حتى الساعة لم يُعلِن وزراء الحزب وحركة امل موقفهم، وإنْ كان الأرجح حضورُهم الجلسة وكذلك الوزير عباس الحلبي ونائب رئيس الحكومة ووزير الاتصالات، فهل تُخرَق جبهة التسعة؟
والسؤال الأبرز: ماذا لو لم تنعقد الجلسة؟ فهل من آلية لتأمين الأموال لمرضى السرطان وغسيل الكلى بغير إقرارها في الجلسة؟ بلغ التحدي اشدَّه، فهل يكونُ هذا المأزق مدخلًا إلى تسريع انتخاب رئيس للجمهورية؟ أم أن المقدَّر أن ينهار كلُّ شيء؟
في مطلق الأحوال، فإن ما بعدَ موعد جلسة الغد غيرُ ما قبله: الرئيس ميقاتي سيقول: ليتحملْ كل طرف مسؤوليته. المعارضون سيقولون: سجلنا هدفًا، ليبقى السؤال الأساسي: كيف ستتأمنُ اموال مرضى السرطان وغسيل الكلى؟
على رُغم كل مآسي الداخل، ثمة ما يحفِّز المتابعة رياضيًا: المونديال، حيث الحماسة تشتدُ أكثرَ فأكثر في المرحلة الثانية.