أولويات أخرى.. تتقدم على أولويّة الإستحقاق الرئاسي!

/ جورج علم /

إنها مجرّد حقيبة دبلوماسيّة تحوي بعض الإهتمام الغربي بلبنان.

قبل أيام، خرج الحديث عن “عناصر غريبة”، من الكواليس إلى العلن. حديث لم يعد ملك مجالس البعثات الأوروبيّة والغربيّة، بل أصبح ملك الدوائر الأمنيّة، مع ضرورة الإحتراز المسبق من عمليات قد تستهدف مصالح دول، يقال بأنها متورطة بما يجري في الشارع الإيراني، إما عن طريق التوغل المخابراتي، أو عن طريق الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، أو من خلال التقنيات الحديثة المتخصصة في تكوين الصورة والخبر بما يخدم السياسات الغربيّة المتبعة، لتحقيق أهداف مرسومة.

عندما يدور الحديث حول ما يجري في الشارع الإيراني، والإتهامات المتبادلة ما بين طهران، وعواصم غربيّة، ينتهي المطاف إلى لبنان المنصّة، والساحة المباحة لتسديد اللكمات، وتصفية الحسابات. فالبيئة هنا مؤاتية، والأجواء مفتوحة، والفراغ يملأ المكان، وعلى كل المستويات.

قبل أيام قال المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي: “إن سياسة إيران الفاعلة في لبنان وسوريا، والعراق كان من نتيجتها فشل مخطط أميركا في هذه البلدان”.

كلام خامنئي لم يمرّ مرور الكرام في الوسط الدبلوماسي الغربي، ولا عند متتبعي بورصة الإستحقاق الرئاسي، لقد استفزّ الرؤوس الحامية، وزاد من منسوب المخاوف من ملء الفراغ في لبنان بأحداث أمنيّة قد تؤثّر على مصالح دول لها سياسات وحسابات على مستوى الإقليم.

والشارع اللبناني، لا يقلّ ضجيجاً عن الشارع الإيراني، ولو باتجاهات مختلفة. وترويقة الصباح عند بعض البعثات المعتمدة، ليست حكراً على الأصناف الطازجة المبتكرة من المطبخ اللبناني حول الاستحقاق الرئاسي، وما يدور في فلكه، بل هناك ما هو مختلف، ومغري في آن. هناك اهتمام دبلوماسي متزايد بالحركة داخل المخيمات الفلسطينيّة. منذ أشهر عدّة  ينشغل “غوغل الدبلوماسي” في البحث عن موارد المعلومات المحيطة بالزيارات المتكررة لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) إسماعيل هنيّة الى لبنان، ودائما ما كانت الأسئلة تدور حول نقاط محددة: لماذا يأتي؟ وما شكل العباءة التي ينسجها في الضاحية على نول حزب الله؟ وما هو المخطط الذي يدأب على الترويج له داخل بعض المخيمات في العاصمة، وخارجها؟

وزاد منسوب الاهتمام الدبلوماسي بهذا الملف في الآونة الأخيرة، بعدما فتحت دمشق أبوابها أمام هنيّة، واستقباله من قبل الرئيس بشّار الأسد ضمن وفد فلسطيني رفيع المستوى. وأيضاً بعدما عاد اليميني المتطرّف بنيامين نتنياهو إلى دوائر القرار في تل أبيب. والجامع المشترك ما بين جوانب هذه الحركة، يتصل بطبيعة المرحلة الطافحة بخيارات مفتوحة على تصعيد غير منضبط، خصوصاً إذا ما أصرّ نتنياهو على المزيد من قضم الأراضي في الضفة الغربيّة، وإطلاق العنان لبناء المزيد من المستوطنات، والمضي قدماً في تهويد القدس، واستهداف الأماكن المقدسة، والتنصل من حل الدولتين.

إن إنشغال العالم بمجريات الحرب في أوكرانيّا، وتداعياتها، جعل الشرق الأوسط في مهب تطورات غير مسبوقة إستناداً إلى ظاهرتين:

الأولى، إن ضمّ أقاليم أوكرانيّة استراتيجيّة إلى روسيا، فتح الشهيّة على تغيير خرائط الكثير من دول المنطقة، والدليل أن التركي يجاهر بسعيه ضمّ شريط من الأراضي السوريّة المتاخمة لحدوده، وبعمق لا يقلّ عن 35 كيلومتراً، بحجة احتواء النازحين، واستجابة لضرورات مصالحه الأمنيّة القوميّة العليا. أما الإيراني فلا يتورّع عن المجاهرة بنفوذه النافر في دول، وعواصم عربيّة، من دون مقدّمات، أو مبررات. أما الإسرائيلي فماضٍ بتنفيذ مشروعه الهادف إلى تجويف مقومات الدولة الفلسطينيّة، للقضاء عليها، وطمسها نهائياً من قاموسه السياسي.

الثانيّة، إن الإستراتيجيّة المتبعة حاليّاً من قبل الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي، تجاه الطاقة ومنابعها في الشرق الأوسط، تحتم إنقلابات في التحالفات، وموازين القوى، للوصول الى خارطة طريق مضمونة الجوانب، تمكّن التحالف الغربي من الإستئثار بغاز المنطقة، ونفطها وفق معايير مصالحه، وإحتياجات مجتمعاته.

ولا يقتصر الإهتمام الدبلوماسي، وتحديداً الغربي، على قراءة المتغيّرات في فنجان الإستحقاق الرئاسي، بل يمتد إلى زاويا أخرى من البيت اللبناني المهجور من سطوة المسؤولية.

زارنا قبل أيام، المنسّق الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في برنامج الحاويات في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، وولفغانغ إيجنر، يرافقه سفير إلمانيا لدى لبنان أندريا كيندل، والتقيا مسؤولين.

بعيداً عن العواطف، واللياقات، والخطاب الدبلوماسي المشبع بالمراوغة والكلام المعسول، تبيّن أن الغرض من الزيارة مرتبط بخلفيتين:

الأولى، أن لبنان أصبح بلد المخدرات بامتياز،  تصنيعاً، وتوضيباً، وتجارة. هكذا يصنّف من قبل أجهزة مكافحة المخدرات، والجريمة، في الدول الديمقراطيّة الكبرى.

الثانيّة، البحث بإمكانيّة قيام خطة مشتركة، ومنسّقة بشكل جيّد مع ما تبقى من مؤسسات ضامنة للدولة اللبنانيّة ، تنفّذ في المناطق النائيّة البعيدة عن وهرة القانون، وداخل مخيمات النازحين، واللاجئين التي تحوّلت الى محميات لشبكات المتاجرين بالممنوعات، والمهرّبين، والمافيات المتصلة بشبكات عالميّة تجمع ما بينها دوافع ومصالح مشتركة.

والحقيقة، أن معلومات مدققة ومفصّلة عن مهمة هذا الموفد الأممي إلى بيروت، لم تتوافر بالكامل بعد، لكن في الديوانيّة الدبلوماسيّة الغربيّة كلام صريح حول “لبنان المخدرات، والجريمة”، بالأرقام، والتواريخ، والحواصل.

وآخر الفيض ما يتداوله سفراء غربيّون عن زيارة وفد  الكونغرس الأميركي الى بيروت مؤخراً، والظروف التي أملتها، قولهم: “إن الإستحقاق الرئاسي قد يكون أولوية لبنانيّة، ولكن ـ ولغاية الآن ـ ليس أولوية دوليّة. أولويات الغرب تنحصر بثلاثة: الإهتمام بغاز لبنان ونفطه وكيفيّة إستثماره. ومتابعة ما يجري من متغيرات أمنيّة وأيديولوجيّة داخل المخيمات الفلسطينيّة، والسوريّة. ومراقبة احتمالات عودة الإرهاب إلى الداخل اللبناني، من خلال الأبواب المشرعة، والمعابر المفتوحة، “لأن الإستقرار الأمني في لبنان حاجة للدول صاحبة المصالح المتشابكة في المنطقة ، قبل أن يكون حاجة لأهله”.