صهيب العتر
بعد ثلاث سنوات من فوضى أسعار الصرف، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدء «مرحلة جديدة» ترمي إلى توحيدها من خلال تبنّي الدولة سعر صرف جديداً هو 15 ألف ليرة، يحلّ مكان ما دونه من أسعار. بذلك، ستنحصر تعاملات السوق في ثلاثة أسعار: السعر المعتمد رسمياً، سعر «صيرفة» وسعر السوق الموازية. هذا يعني أن الهامش بين الأسعار الثلاثة سيبقى واسعاً ويشرّع البابَ أمام المضاربات والدوران في الحلقة المفرغة ذاتها. يقول الخبراء، إنه ما لم يُتفق على توزيع الخسائر والتعامل مع الأزمة من منظور اقتصادي، فلا جدوى لهذه الخطوة التي لا تُعدّ بأيّ شكل من الأشكال توحيداً لسعر الصرف
– السعر الجديد الذي تبنته الدولة، وهو ثابتٌ يسري على موازنات إدارات ومؤسسات الدولة والضرائب (من ضمنها الدولار الجمركي) وميزانيات المصارف والشركات الخاصة.
– سعر منصة «صيرفة»، وهو متحرّك يسري على رسوم الاتصالات والكهرباء وبعض المعاملات التجارية التي تتمّ من خلال «مصرف لبنان».
– سعر السوق الموازية الذي يسري على المحروقات وغالبية التعاملات التجارية.
وفق سلامة، فإن تبنّي السعر الجديد، يأتي «ضمن عملية لتوحيد نظام سعر الصرف». لم يسأل الحاكم عن تفاصيل العملية، ولا هو بادر إلى مكاشفة الرأي العام بها، بل استمر في إخفاء الخسائر الحقيقية في ميزانيته وميزانيات المصارف. هذا ما ذهب إليه مدير «المركز الاستشاري للدراسات»، عبد الحليم فضل الله، في حديث لـ«الأخبار»، بإشارته إلى أن مقاربة توحيد أسعار الصرف كانت في السابق تجري «من منظور اجتماعي». أمّا بعد رفع الدّعم، فقد بات توحيدها يُقارب «من زاوية ميزانيات المصارف وتوزيع الخسائر»، إذ تُحتسب الميزانيات حتى اليوم على أساس السعر الرسمي، أي 1507.5 ليرات للدولار، ما يُخفي الخسائر الحقيقية بالعملات الصعبة. وبمجرد تبديل السعر المعتمد رسمياً، فإن ذلك سيُلزم المصارف بإعادة احتساب ميزانياتها على السعر الجديد، وهو ما «سيُرتّب عليها فجوة بمليارات الدولارات، وستخسر جزءاً من رساميلها». لذا، لا يرى فضل الله أنه يمكن توحيد أسعار الصرف قبل التوافق على خطة للتعافي الاقتصادي وإعادة هيكلة المصارف، وقبل التوصل إلى صيغة مقبولة لتوزيع الخسائر في القطاع المالي، تبدأ بحملة الأسهم ثم تصيب المودعين في النهاية.
ليس ما يقوم به سلامة سوى «هرطقة» أو «مزحة»، وفق تعبير الاقتصادي روي بدارو، فمن غير الممكن توحيد أسعار الصرف «بمعزل عن مشروع اقتصادي متكامل». هو يرى أن الكلفة الاجتماعية وحلّ قضية الأجور هما «بيت القصيد»، ولا جرأة لدى القوى السياسية على حلّهما لأنهما «مكلفان سياسياً»، مشدداً على أنه «من غير المسموح اجتماعياً أن يُدير شخص واحد الاقتصاد». وبافتراض أن سلامة «عارف شو بدو يعمل»، لا يمكن معالجة الأزمة الراهنة باستمرار «اللاشفافية في السياسات النقدية» التي يبتدعها حاكم «المركزي».
إذاً، لا توحيد لأسعار الصرف قبل خطّة اقتصادية تعالج الخسائر. ولا استقرار اقتصادياً ما دام سعر الصرف معرّضاً لتقلّبات تغذّيها المضاربات المتواصلة التي تتحفّز بفعل الهوامش الواسعة بين أسعار الصرف كما هو حاصل اليوم، إذ يصل الهامش بين السعر الجديد الذي يشمل تسديد الودائع على التعميمين 151 و158، وسعر السوق الموازية، إلى ثلاثين ألف ليرة. وإذا استمر سلامة في ضخّ ليرات جديدة، واللجوء مع المصارف إلى السوق لتأمين ما يكفي من السيولة بالدولار، فإن الطلب على الدولار سيزداد وسيكون مموّلاً بليرات يضخّها «المركزي»، وهو ما يغذي دورة مغلقة من التضخّم، وارتفاع سعر الصرف، وخلق النقد.














