“مبادرة” باريس الرئاسية: لا تقدّمَ فرنسياً ولا تغييرَ سعودياً

كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: الحركة الرئاسية عموماً على طريق التراجع الى الوراء، رغم كل الضغوط التي تمارس داخلياً وخارجياً، لأسباب مختلفة، والكلام الخارجي يتحدث عن فترة طويلة من الشغور الرئاسي.لكن، رغم كل هذه الضبابية التي يراد أن يعتادها اللبنانيون، تسعى باريس الى أن تكون محركاً لحوارات ومفاوضات داخلية وخارجية لم تصل بعد الى أي نقطة إيجابية. إلا أن محاولاتها خرق الجمود الحالي، من حين الى آخر، وتقديم نموذج مختلف عن تعاطي دول معنية بالوضع اللبناني، لم تنجح في تغيير الصورة التي تركها أداؤها بأن ثمة تخبّطاً في إدارة ملف لبنان الرئاسي. ويعزز هذا الانطباع أن نشاطها اصطدم، مرة أخرى، في صورة لا لبس فيها بحسب المعلومات الفرنسية، بموقفين سعودي وأميركي. وساهمت تطورات الأسبوع الماضي بين بيروت وباريس والرياض في جعل المعنيين بالملف الرئاسي فرنسياً يقتنعون بوجود تعثّر في التقدم خطوة الى الأمام.

فالاتصالات الفرنسية مع السعودية، سواء على مستوى الصف الأول أو الثاني، أكدت مجدداً للرئيس إيمانويل ماكرون أن الرياض لا تزال عند سقف البيان الثلاثي الذي صدر من نيويورك بتوقيع أميركي وفرنسي وسعودي. وكل ما تبلغته باريس مجدداً، وأكثر من مرة، أن السعوديين غير معنيين بأيّ محاولات فرنسية في الملف الرئاسي، ولا بأيّ تسويات ترتسم حول توزيع أدوار بهدف الإيحاء برضى سعودي عن أي شخصيات مرشحة لتسويات خارجية مطروحة حالياً. وما عدا سقف بيان نيويورك، لا كلام سعودياً حول لبنان، إلا ما يتعلق بتنفيذ القرارات الدولية والتمسك باتفاق الطائف. ويعني السعودية كذلك أن واشنطن لا تزال متمسكة بالسقف ذاته، وأنها لم تعدّل نظرتها الى انتخابات رئاسة الجمهورية بحيث تسمح بفتح باب التأويلات حول مواقف وتسميات مرشحين، سواء لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة. وهذا ما سمعته باريس بوضوح.

والمشكلة أن هناك محاولة فرنسية من بعض الدوائر لتأويل مواقف الرياض، وسحبها في اتجاهات لا ترضى السعودية عنها. لذا سعت باريس، بعد تبلغها الموقف السعودي الواضح بعدم الاهتمام بالملف اللبناني عموماً والرئاسي خصوصاً، الى تدوير الزوايا، بإعادة تعويم ملف المساعدات الإنسانية الذي دعمته السعودية، لأسباب اجتماعية وإنسانية فحسب. وتريد باريس من خلاله إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، علّ ذلك يؤدي لاحقاً الى تفعيل التواصل رئاسياً.

باريس التي نشأت بينها وبين طهران أخيراً إشارات توتر ربطاً بالوضع الإيراني الداخلي، تضاعف من تناقضاتها في أكثر من ملف إقليمي وأوروبي، كما في علاقتها مع روسيا وأوكرانيا. وفي ما يتعلق بلبنان، لا تزال ترى أن لديها فرصة للنفاذ عبر تسوية فيه، كي تطلّ على دور متقدم. لكنها مرة أخرى تتعثر. ومساوئ تعثّرها أن تخبطها الدبلوماسي لبنانياً وخارجياً وإصرارها على إظهار ما ليس واقعياً في الموقفين السعودي والأميركي يضاعف خيبات الأمل اللبنانية في إنتاج حل سريع للأزمة الراهنة وتسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية. فيما فرنسا تدرك أن الوقت الضائع لبنانياً يضاعف من حجم التفسخ الداخلي أكثر فأكثر، بما يجعل من الصعب إنتاج حلول قد تكون صالحة اليوم، لكنها حكماً لن تصلح غداً ولا بعده