في الوطنِ الذي يحتلُه الفراغ، غابت مظاهرُ الاحتفالِ عن عيدِ الاستقلال، اُلغيت العروضُ العسكريةُ وتُركَ البلدُ للاستعراضاتِ السياسية، وظهرَ الحاكمُ بامرِ المالِ اقوى من كلِّ الحكام، متسلحاً بالدولارِ لا بالدستور، مورطاً نفسَه أكثرَ بالحديثِ عن القدرةِ على ضبطِ انهيارِ الليرةِ متى شاء. ومن مشيئتِه الماليةِ انَ الدولارَ الرسميَ سيصبحُ خمسةَ عشرَ الفَ ليرةٍ لبنانيةٍ معَ بداية ِشهر ِشباطَ المقبل، كما بَشَّرَ اللبنانيينَ من على الشاشةِ الاميركية.
وحتى يصبحَ الوطنُ على دولةٍ برئيسٍ وحكومةٍ وحكمٍ يحترمُ الدستورَ والمؤسسات، قادرٍ على القولِ لا للحصارِ الاميركي الفارضِ للعتمة، المانعِ للكهرباءِ بايِّ طريقةٍ كانت، او حتى يَقدِرَ ابناؤه على الحوارِ والتواصلِ لانتخابِ رئيسٍ جامعٍ لا يَحملُ لغةُ التحدي والصدام، فانَ الاستقلالَ سيبقى ذكرى تحرسُها عندَ الحدودِ البقيةُ الباقيةُ من الدولةِ ومعادلاتِها، اي المعادلةُ الذهبية : جيشٌ وشعبٌ ومقاومة..
في المعادلاتِ الرياضيةِ خرقٌ للتوقعاتِ حققَه المنتخبُ السعوديُ الذي اردى نظيرَه الارجنتينيَ في ثالثِ ايامِ “المونديال” اثنين واحد، فيما تمكنَ المنتخبُ التونسيُ من انتزاعِ نقطةٍ من منافسِه الدانمركي..
اما نقاطُ الصهاينةِ فما زالت معدومةً معَ حالِ المقاطعةِ التي تحاصرُ الاعلامَ العبريَ في قطر، والذي ارادَ من خلالِ مبارياتِ كأسِ العالم ان يُظهرَ قدرتَه التطبيعيةَ معَ الشعوبِ العربية، وهو ما كانت نتائجُه عكسيةً على الصهاينة، وباتت الخيبةُ الاعلاميةُ بتداعياتٍ سياسية، حيثُ تحدثَ مسؤولون صهاينةٌ عن ضرورةِ قراءةِ هذه الظاهرةِ التي تخالفُ ادعاءاتِ بنيامين ناتنياهو عن مفاعيلِ اتفاقاتِ ابراهام على الشعوبِ العربية..
ايرانياً رسائلُ متشعبةٌ بعثت بها الجمهوريةُ الاسلامية، معَ الاعلانِ عن زيادةِ إنتاجِها من اليورانيوم المخصَّبِ بنسبةِ ستينَ في المئةِ في مُفاعلِ “فُوردو”، في خطوةٍ قُرِئَتْ على اَنها ردٌّ على انحيازِ مجلسِ محافظي الوكالةِ الدوليةِ للطاقةِ الذَريةِ في قراراتِه ضدَّ طهران.
ياالاخضر.. اللون الذي هزم الأبيض مع الأزرق المسمى: البي سيليستي منتخب النخبة السعودي يرفع بقدمه رأس العرب بين ملاعب العالم.. ويقدم رقصة “العرضة” الكروية التي غيبت شمس التانغو هو اليوم الذي اهتزت فيه مملكة ليونيل ميسي بأقدام رجال المملكة العربية السعودية.. الذين كسروا هيبة بطل الأرجنتين والعالم وصاحب الذهبيات السبع في تاريخ اللعبة “بلاندور” الملاعب، المولود وفي فمه الكرة الساحرة.. سجل هدفا وحيدا وانتشى بنصره قبل أن يتعرض مع فريقه لهجوم مباغت أرداه مهزوما بين شوطين ولعل المونديال توقف به الزمن عند انتهاء المباريات التاريخية التي أسقطت لميسي وأعوانه ثلاثة أهداف وقعت في مصيدة الأقدام الخضراء ومنذ تاريخ الشوط الثاني، لعب الزمن مع السعودي.. وبدأت أسماء المنتخب تتصدر من الأرض إلى السماء وتلمع أهدافها.. من محمد العويس حارس المرمى الذي كان صيادا مختصا بالطريدة الأرجنتنية من أعلى الهرم نحو أخمص القدم.. إلى صالح الشهري المهاجم الصالح الذي أصبحت شهرته على كل كرة ولسان.. قبل أن يضع سالم الدوسري بصمات رجليه على أهم فوز عربي من أرض عربية ولهذا النصر في طبعته الأولى مدرب فرنسي للفريق السعودي.. هيرفية رينارد، الذي تظنه رومانسيا يتقن الحرب الناعمة.. لكنه في تحدي المونديال يؤهل فريقا سعوديا يضرب فيه سمعة الأرجنتين التي منيت بأول خسارة بعد ست وثلاثين مباراة بلا هزيمة..
وحيازتها لقب بطل “كوبا أميركا”،.. والأهم أنك تهزم بلاد دييغو مارادونا أسطورة كرة القدم وdont cry for me argentina، لأن الصقور متى حلقت تنحت طيور وحمائم اما النسور فقد جاءت اسرابا من تونس .. حيث الاخضر السعودي يسجل الفوز الاول ..وتونس الخضراء تحرق قلب الدانمارك وتمنعها من استكمال مسارها كثالث دولة على العالم هو يوم للعرب .. بعد ان كانت الايام عليهم .
لبنان يحيي استقلاله التاسع والسبعين بلا عيد.
ليس هذا هو الخبر في 22 تشرين الثاني 2022. فعيد استقلال لبنان صار للأسف حدثاً باهتاً، لا تنفع في تلميع صورته أبهى العروض العسكرية، التي غابت اليوم، منذ ارتضت شرائح واسعة من بناته وابنائه، ولاءات أعلى من ولائها للوطن، وانتماءات ادنى من انتمائها اليه، فيما الولاء للوطن اللبناني والانتماء اليه غدا امراً ثانوياً، جعل من الارض ساحة نزاع اقليمي ودولي مستدام، ومن جزء كبير من الشعب اللبناني اداة في هذا الصراع.
اما الانتماء البديهي والطبيعي لوطن واحد حر سيد مستقل، والولاء له وحده من دون سواه، فأصبح انعداماً في الواقعية بالنسبة الى البعض، ومجرد نوستالجيا عند البعض الآخر.
وهكذا حل يوم الاستقلال الذي تحتفل فيه الدول عادة بالعروض الضخمة والمفرقعات النارية، تكريماً لشهدائها وتاريخها… حل كأنه يوم عادي من أيام السنة. فكيف يحتفل بالاستقلال، وطن ليس له رئيس، ودولة بلا حكومة، واقتصاد منهار بلا خطة نهوض، ووضع عام عرضة لكل اشكال التدخلات الخارجية، فيما كثيرون يسألون انفسهم يومياً، هل ذهبت هدراً دماء الشهداء وتضحيات الابطال؟
وفي 22 تشرين الثاني الحزين بفعل فقدان الاستقلال، فقد لبنان ايضاً ركناً من اركان زمنه الجميل، وتاريخه الفني الرائع. رحل روميو لحود اليوم، تاركاً وراءه ارثاً ضخماً من الاعمال، لينضم الى اقرانه من كبار الفن اللبناني الذين قصوا بمسيرتهم حكاية لبنان.
لا شيء يدل على قرب اغلاق ملف الفراغ الرئاسي، وكل ما يشاع عن امكان الوصول الى حل قبل نهاية السنة الحالية غير قابل للترجمة بالارقام المفروض تأمينها لنصاب عقد جلسة انتخاب الرئيس في مجلس النواب وايصاله الى بعبدا.
التطور الوحيد الذي خرق المشهد، عودة الحوار بين بكركي وحزب الله، وتحديدا في الموضوع الرئاسي.
الحوار عقد على مرحلتين، الاولى قبل نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون. والثانية بعد خروج عون من بعبدا، والجولتان تمتا في منزل صديق مشترك للطرفين.
ما يهم بكركي انهاء الفراغ بأسرع وقت ممكن، لان البلد لا يحتمل، ولان لبنان لا يحكم من دون رئيس للجمهورية.
على هذا الاساس عرض في اطار النقاش خلال الجلستين عدد من الاسماء، وعندما سألت بكركي موفدي الحزب عن دعم المرشح سليمان فرنجية، اكد هؤلاء دعمهم للوصول الى بعبدا، سألوا بدورهم موفدي بكركي: هل لديكم اعتراض عليه؟ فجاء الجواب: لا اعتراض عليه، وهو واحد من اربعة اسماء كبيرة مطروحة لتبوء المنصب.
وعندما سأل موفدو بكركي الحزب هل لدى حزب الله فيتو على وصول قائد الجيش، جاء الجواب ايضا: مرشحنا هو سليمان فرنجية ولكن لا فيتو لدينا على احد.
لكن بكركي القلقة تريد ان تعرف كيف سيترجم دعم حزب الله لسليمان فرنجية خلال الجلسات النيابية، ولاي مدى ممكن ان يطول هذا الدعم، وهل ممكن ان يؤدي الى فراغ رئاسي غير محدود الزمن؟ لان بكركي وسيدها البطريرك الراعي تريد انتخاب رئيس للجمهورية البارحة قبل اليوم.
نتيجة الحوار الذي اعيد بين بكركي وحزب الله، فتحت صفحة جديدة، يقال انها قد تؤثر وتسرع في موضوع رئاسة الجمهورية، كما انها ستحل سلسلة من المسائل العالقة بين الطرفين.
هذا خبر اليوم في الداخل، اما خبر العالم كله فهو الفوز التاريخي لمنتخب السعودية على منتخب الارجنتين بنتيجة 2 واحد في بطولة كأس العالم في قطر.
قد يعتبر البعض ان الفوز مفاجئ، وان الحظ يلعب دوره في كأس العالم.
لكن الاكيد، ان العمل، والتخطيط، والتدريب والتشجيع امنا الارضية اللازمة للاعبي فريق المملكة، وجعل السعودية تنادي بصوت واحد: لا مستحيل.